ميدل إيست أي : تحالف عالمي لمحاسبة إسرائيل.. ما الذي نعرفه عن “مجموعة لاهاي”؟
![](https://www.ghadnews.net/wp-content/uploads/2025/02/Holding-Israel-accountable-What-is-The-Hague-Group.png)
في 31 يناير الماضي، اجتمع ممثلو 9 دول في مدينة لاهاي في هولندا للإعلان عن تحالف عالمي تحت عنوان “مجموعة لاهاي” وذلك بهدف محاسبة إسرائيل بموجب القانون الدولي.
لقد كان الإعلان سابقة تاريخية، فهي أول مبادرة من نوعها منذ النكبة لتنسيق عمل دولي من أجل منع انتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
ومن بين أهم الأعضاء المؤسسين للمجموعة دول بليز وبوليفيا وكولومبيا وكوبا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال وجنوب إفريقيا، حتى أن بعضها اتخذ بالفعل خطوات كبيرة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية للدفاع عن القانون الدولي ومحاولة إنفاذه.
تعد أوامر محكمة العدل الدولية الموجهة إلى إسرائيل ملزمة للدولة الثالثة بموجب القانون الدولي العرفي وذلك بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها حتى لو حدثت الإبادة خارج أراضيها
على سبيل المثال، رفعت جنوب إفريقيا قضية تاريخية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب انتهاكات متعلقة باتفاقية الإبادة الجماعية في غزة، ثم انضمت عدة دول إلى قضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بما فيها بوليفيا وكولومبيا وناميبيا.
إضافة إلى ذلك، فقد منعت كل من ناميبيا وماليزيا السفن التي تحمل الأسلحة إلى إسرائيل من الرسو في موانئها، في حين أوقفت كولومبيا صادرات الفحم إلى إسرائيل، كما استدعت كولومبيا وبوليفيا سفيريهما من إسرائيل للاحتجاج على حربها المدمرة على غزة.
ظلت هذه الجهود مفتقرة إلى التنسيق، ولهذا فقد جاء تأسيس “مجموعة لاهاي” للعب دون المنسق الفاعل بين تلك الجهود، حسبما صرحت رئيسة المجموعة فارشا جانديكوتا-نيلوتلا لموقع ميدل إيست آي، حيث أوضحت بأن المجموعة تم تشكيلها كرد فعل على عدم امتثال الدول لالتزاماتها القانونية الدولية الملزمة.
في كلام جانديكوتا-نيلوتلا إشارة بالطبع إلى رد فعل عدد من الدول الغربية ضد أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في نوفمبر عام 2024، بالإضافة إلى عدم الامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية لوقف انتهاكات إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية.
قالت جانديكوتا-نيلوتلا: “لقد بدأت هذه المجموعة بالفعل مع مرور عام على الإبادة الجماعية بسبب السماح بالإفلات من العقاب الممنوح لإسرائيل، والمتمثل في إهمال حكم محكمة العدل الدولية والتحدي الحقيقي لأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية”.
تجدر الإشارة إلى أن مذكرة اعتقال نتنياهو تعد الأولى في تاريخ المحكمة التي تصدر ضد سياسيين من دولة متحالفة مع الغرب، ووفقاً لنظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002، فإن جميع الدول الأطراف لديها التزام قانوني باعتقال وتسليم المطلوبين من قبل المحكمة إلى لاهاي.
مع ذلك، فقد أعلنت عدد من الدول الغربية الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا والمجر، عدم قيامها بتنفيذ أوامر الاعتقال إذا هبط نتنياهو على أراضيها، زاعمة أنه يتمتع بالحصانة بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي اعترضت عليه المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك كبار الخبراء القانونيين في جميع أنحاء العالم.
التزامات الدولة الثالثة
شهد عام 2024 عدداً قياسياً من القضايا القانونية المتعلقة بسلوك إسرائيل في غزة في محكمة لاهاي، والتي شملت الأوامر الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية وأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت.
على سبيل المثال، أصدرت محكمة العدل الدولية 3 أوامر مؤقتة ملزمة في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، وتشمل هذه الأوامر إصدار أوامر لإسرائيل بالامتناع عن القيام بالأفعال المحظورة بموجب الاتفاقية ومنع مثل هذه الأفعال والمعاقبة عليها.
في أمرها الأول الصادر في 26 يناير عام 2024، أوضحت محكمة العدل الدولية بأنه “من المعقول أن تكون إسرائيل قد انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية”، وكإجراء طارئ، أمرت إسرائيل بضمان امتناع جيشها عن ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
بعد ذلك، وفي أعقاب الطلبات التي قدمتها جنوب إفريقيا، أصدرت المحكمة في وقت لاحق أوامر مؤقتة في 28 مارس و24 مايو من نفس العام، دعت فيها إسرائيل إلى وقف هجومها على رفح وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين دون عوائق، حتى أنها أضافت في أمرها الذي أصدرته في مايو، ضمان إمكانية دخول محققي الأمم المتحدة إلى غزة للتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية.
وتعد أوامر محكمة العدل الدولية الموجهة إلى إسرائيل ملزمة للدولة الثالثة بموجب القانون الدولي العرفي وذلك بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها حتى لو حدثت الإبادة خارج أراضيها، كما أوضحت محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية التاريخية في البوسنة عام 2007.
يمكن دعم هذا الالتزام الواجب على الدولة الثالثة من خلال حث إسرائيل على الامتناع عن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية وبذل العناية الواجبة لضمان عدم وجود أي صادرات أو مساعدة تساهم في أعمال يعاقب عليها القانون بموجب الاتفاقية.
“دعونا نكون واضحين للغاية هنا، فهذه ليست مسألة “تخلي” الولايات المتحدة عن القانون الدولي، فقد فعلت ذلك قبل عقوبات المحكمة الجنائية الدولية في 6 فبراير، والحقيقة أنها مسألة “تدمير” الولايات المتحدة لأي مظهر من مظاهر القانون الدولي” – فارشا جانديكوتا-نيلوتلا- رئيسة مجموعة لاهاي
وهذا الإلزام للدولة الثالثة أمر قد تم تطبيقه من قبل المحكمة بالفعل في قضايا أخرى، مثلما أكدت محكمة العدل الدولية، في أمرها الصادر في 30 أبريل عام 2024 في قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا، التزام الدول الثالثة بضمان عدم استخدام صادرات الأسلحة في انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية والقانون الإنساني الدولي.
لاحقاً، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً في 19 يوليو عام 2024 يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة، وبالتالي فإن الواجب القانوني المقابل الواقع على الدول الثالثة هو الامتناع عن دعم الاحتلال وضمان امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي.
وفي سبتمبر من نفس العام، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراً بأغلبية 124 دولة، يؤيد رأي محكمة العدل الدولية ويطالب إسرائيل والدول الثالثة بالوفاء بالتزاماتها على النحو الذي حددته المحكمة.
من جهة أخرى، فقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 4 قرارات ملزمة خلال الصراع الأخير، داعياً إلى مجموعة من المطالب شملت زيادة وصول المساعدات الإنسانية ووضع حد لانتهاكات القانون الإنساني الدولي ووقف الأعمال العدائية، إلا أن إسرائيل تحدت جميع القرارات، في حين امتنعت الولايات المتحدة عن تأييد 3 منها.
“منطق العقاب”
أوضحت جانديكوتا-نيلوتلا بأنه من المفترض أن لا تكون هناك حاجة لمحموعة مثل “مجموعة لاهاي” في عالم تفي فيه الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي وتنفذ أحكام المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذا ليس هو الواقع مع الأسف.
لقد واصلت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تقديم الدعم العسكري والسياسي لحكومة نتنياهو، متجاهلين قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة، بل ذهبت الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من ذلك، مع إقرار عقوبات فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام كريم خان.
“تتنكر تلك السفن بطرق مختلفة، ولا يتم إدراجها دائماً على أنها سفن عسكرية، كما لا يتم دائماً إدراج المعدات العسكرية ضمن المعدات العسكرية أو على أنها صناعات دفاعية إسرائيلية، لكنهم يستخدمون الموانئ والشبكات اللوجستية في بلداننا حتى يتمكنوا من نقل الأسلحة لاستخدامها ضد الشعب الفلسطيني” – فارشا جانديكوتا-نيلوتلا- رئيسة مجموعة لاهاي
وفقاً لغانديكوتا-نيلوتلا، فهذا جزء من “منطق العقاب” الذي تتبناه الولايات المتحدة تجاه محاولات محاسبة إسرائيل، موضحة بالقول: “لقد أمضت الولايات المتحدة وحلفاؤها 15 شهراً في تمويل وتسليح واختلاق الأعذار للإبادة الجماعية في غزة، فيما كان نفاقهم الملطخ بالدماء واضحاً ليراه الجميع في فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية”.
وأضافت: “دعونا نكون واضحين للغاية هنا، فهذه ليست مسألة “تخلي” الولايات المتحدة عن القانون الدولي، فقد فعلت ذلك قبل عقوبات المحكمة الجنائية الدولية في 6 فبراير، والحقيقة أنها مسألة “تدمير” الولايات المتحدة لأي مظهر من مظاهر القانون الدولي”.
أشارت غانديكوتا-نيلوتلا، على سبيل المثال، إلى أنه عندما رفعت جنوب إفريقيا قضيتها التاريخية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية في ديسمبر عام 2023، كانت ردة فعل مجلس النواب الأمريكي بتقديم تشريع لوضع جميع العلاقات الثنائية مع جنوب إفريقيا قيد المراجعة.
وبالمثل، عندما أعلنت الحكومة الإسبانية حظراً على الأسلحة المرسلة إلى إسرائيل، فتحت الولايات المتحدة تحقيقاً تحت ستار فحص التجارة الخارجية، والتي يمكنها بموجبه فرض غرامات بملايين الدولارات على مدريد، كما أوضحت جانديكوتا-نيلوتلا قائلة: “ما نشهده الآن هو هجوم مباشر على مؤسسات القانون الدولي لإرسال رسالة التحذير من التجرؤ على محاسبة إسرائيل والولايات المتحدة مرة أخرى”.
تعطيل سلسلة التوريد العالمية
تلتزم “مجموعة لاهاي” بتشكيل تحالف لمواجهة عمل الدول الغربية المنسق لدعم الجيش والحكومة الإسرائيليين، حيث جاء في بيان المجموعة الافتتاحي، التعهد باحترام أوامر محكمة العدل الدولية والالتزامات القانونية الدولية الأخرى وأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
أعلنت الدول المؤسسة للمجموعة أيضاً عزمها على منع توريد الأسلحة إلى إسرائيل في أي حالة يوجد فيها خطر انتهاك القانون الدولي، ومنع رسو السفن في الموانئ الواقعة ضمن ولايتها القضائية حيث يوجد خطر استخدام السفن لنقل الوقود والأسلحة إلى إسرائيل.
أوضحت جانديكوتا-نيلوتلا بالقول: “تتنكر تلك السفن بطرق مختلفة، ولا يتم إدراجها دائماً على أنها سفن عسكرية، كما لا يتم دائماً إدراج المعدات العسكرية ضمن المعدات العسكرية أو على أنها صناعات دفاعية إسرائيلية، لكنهم يستخدمون الموانئ والشبكات اللوجستية في بلداننا حتى يتمكنوا من نقل الأسلحة لاستخدامها ضد الشعب الفلسطيني”.
تهدف مجموعة لاهاي إلى التنسيق فيما بينها لقطع سلسلة التوريد العالمية للصناعات الدفاعية الإسرائيلية وضمان تحديد هوية هذه السفن وعدم وصولها إلى وجهتها عبر موانئها.
وتؤكد جانديكوتا-نيلوتلا أن تأسيس المجموعة من 9 دول هو مجرد بداية، ومن المتوقع أن تنضم المزيد من الدول إلى الكتلة في الأشهر المقبلة، كاشفة عن أن المفاوضات التي سبقت إنشاء المجموعة ضمت دولاً أكثر من القائمة الحالية.
وأضافت: “السبب في ذلك هو أن مجموعة لاهاي ليس المقصود منها أن تكون مجرد منتدى تعلن من خلاله الدول أنها تدعم فلسطين”، مؤكدة أن الانضمام إلى المجموعة يأتي مع التزام حقيقي بوضع الأهداف موضع التنفيذ من خلال التشريعات والسياسات.
المصدر: ميدل إيست أي (هنا)