![](https://www.ghadnews.net/wp-content/uploads/2025/02/٣٢.png)
الساحةُ السياسيةُ المصريةُ تموجُ بحواراتٍ متشابكةٍ حولَ الانتخابات المصرية، حيث تتنازعُ المواقفُ بين دعاةِ المقاطعة الذين يرونها رفضًا لمنحِ شرعيةٍ زائفة، وبين أنصارِ المشاركة الذين يعتقدون أن اختراقَ المشهدِ السياسي يتطلبُ الحضورَ حتى في ظلِّ غيابِ الضمانات. خيارانِ ظاهرهما التضاد، لكنَّ جوهرهما واحدٌ إذا كانَ الهدفُ الحقيقيُ هو البحثُ عن طريقٍ يُفضي إلى التغيير.
مقاطعةُ الانتخاباتِ كمبدأٍ دائمٍ خطأ، والمشاركةُ دونَ ضماناتٍ حقيقيةٍ جنون. المعاركُ لا تقاسُ بميزانِ المقاعد، بل بقدرةِ الصوتِ على أن يكونَ حاضرًا في وجدانِ الناسِ، لا مجردَ رقمٍ في سجلاتِ البرلمان. تجاربُ الماضي تثبتُ أنَّ برلماناتٍ ضمت قلةً من المعارضين، لكن أصواتهم كانت ضميرَ الأمة، بينما ضجّت برلماناتٌ أخرى بعشراتِ المعارضين الذين لم يُسمع لهم صوت.
أسماءٌ حفرت مواقفها في ذاكرةِ مصر. من يذكرُ اليوم رئيسَ البرلمانِ الذي وقفَ فيه ” أحمد الجندي” وحيدًا معارضًا قبلَ الثورة؟
من يتذكرُ أسماءَ رؤساءِ المجالسِ التي شهدت حضورَ عمالقةٍ مثل “ممتاز نصار”، و”محمود القاضي”، و”عادل عيد”؟ التاريخُ لا يُسطّرُ أسماءَ الأغلبيةِ الصامتة، بل يُنصفُ أولئكَ الذين جعلوا أصواتهم جسرًا بين الشعبِ وسلطاته، وحملوا على أكتافهم قضايا #العدالة و#الحرية حين أدارَ الآخرون ظهورهم للناس.
رسالةٌ إلى قيادةِ “الحركة المدنية الديمقراطية”، بوصفها المظلةَ الأوسعَ للمعارضةِ الوطنيةِ في الداخل. هذه الانتخابات المصرية لن تكونَ سوى محاولةٍ لشقِّ صفوفكم، وإحداثِ انقساماتٍ تُضعفُ موقفكم، كما حدثَ في محطاتٍ سابقة. جبهةٌ لا تُدارُ بمنطقِ الالتزامِ الحزبي، ولا ينبغي لها أن تُصادرَ حقَّ الأحزاب في اتخاذِ قراراتها وفقَ تقديراتها الخاصة. التنوع هو سرُّ الجبهات، والقوةُ الحقيقيةُ لا تُقاسُ بوحدةِ القرار، بل بقدرتكم على أن تظلوا أكبرَ من خلافاتِ التكتيك، وأكثرَ وعيًا باستراتيجياتِ المستقبل.
الطريقُ إلى الديمقراطية لا يمرُّ عبرَ خياراتٍ جاهزة، ولا يُختزلُ في معادلةِ “مقاطعةٍ أو مشاركة”. لا يجبُ السماحُ بتحويلِ المنافسةِ السياسيةِ إلى صراعٍ داخلي، يُضعفُ الجبهةَ أكثرَ مما يُضعفُ السلطة. القرارُ متروكٌ لكلِّ طرفٍ ليحددَ موقعه، لكنَّ الهدفَ يجبُ أن يكونَ واحدًا: أن تخرجَ المعارضةُ أقوى، لا أن تُستنزفَ في معاركِ التشرذم والانقسام.
التاريخُ لا يُكتَبُ بالأرقام، بل بالمواقف. الأصواتُ الحقيقيةُ تظلُّ أعلى من الحساباتِ اللحظية، وأبقى من الأغلبياتِ الزائفة. كنتم وما زلتم أصحابَ هذه الأصوات.