مقالات ورأى

حسن نافعه يكتب : خيارات حماس في مفاوضات المرحلة الثانية

من الممكن أن يسعى ترامب لإقناع نتنياهو بأن من مصلحته الشخصية، ومصلحة “إسرائيل” في الوقت نفسه، المضي قدماً نحو تنفيذ متطلبات المرحلة الثانية من الاتفاق، وتأجيل التفاوض على القضايا الخلافية الشائكة.

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ يوم الأحد الموافق 19/1/2025. ولأن المرحلة الثانية، والتي يفترض أن تبدأ في أعقاب مرحلة أولى يستغرق تنفيذها 42 يوماً، تتضمن أموراً حيوية عديدة لم تحسم بعد، فقد تضمن هذا الاتفاق نصاً صريحاً يلزم كلاً من حماس و”إسرائيل” الدخول في مفاوضات غير مباشرة بينهما في اليوم السادس عشر، أي يوم الثلاثاء الموافق 4/2/2025، كما يلزم الولايات المتحدة ومصر وقطر في الوقت نفسه ضمان استمرارها وضمان سريان وقف إطلاق النار إلى أن تكلل بالنجاح.

غير أن “إسرائيل” لم تلتزم حرفياً بما تم الاتفاق عليه، بدليل عدم احترامها التاريخ المحدد لبدء هذه المفاوضات، إذ لم يصل وفدها إلى قطر إلا يوم 9/2، ولم يزوّد بالصلاحيات التي تؤهله اتخاذ ما يلزم من قرارات، وهو موقف لم يشكل مفاجأة لأحد. 

فرغم موافقة الحكومة الإسرائيلية بالأغلبية على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن هذا الاتفاق قوبل بمعارضة شديدة من جانب التيار الأكثر تطرفاً في هذه الحكومة وأدى إلى انسحاب بن غفير، وزير “الأمن القومي” ورئيس حزب “القوة اليهودية”، وتهديد سموتريتش، وزير المالية ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بالانسحاب بدوره في حال إقدام الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق ورفض العودة إلى القتال في نهاية المرحلة الأولى.

بل إن نتنياهو نفسه صرّح علناً، وفي أكثر من مناسبة، بأن هذا الاتفاق لا يحول دون العودة إلى القتال مجدداً إذا استدعت الضرورة ذلك!

ومن الواضح أنه شعر بالكثير من الانتعاش عقب زيارته الأخيرة إلى واشنطن، والتي صرّح ترامب خلالها بأنه يسعى لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكداً أن الولايات المتحدة جاهزة “لتسلم هذا القطاع الذي لم يعد قابلاً للحياة” وعازمة على تحويله إلى “ريفييرا شرق أوسطية”، بل وذهب إلى حد مطالبة مصر والأردن باستضافة ما يقرب من مليوني فلسطيني.

الأخطر من ذلك، أن ستيف ويتكوف، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، صرّح بأن الولايات المتحدة تعتزم “فتح باب التفاوض من جديد حول المرحلة الثالثة من الاتفاق”، ما يعني أن إدارة ترامب لا تعدّ نفسها ملزمة بكل ما ورد في هذا الاتفاق، على الرغم من أن ترامب لا يكف عن التباهي بأنه لعب شخصياً الدور الأكثر حسماً في إتمامه، ولولاه لما تمّت الموافقة عليه ولما دخل حيّز التنفيذ قبل أن يدخل هو إلى البيت الأبيض.

ويتعين على حماس، في سياق كهذا، التحسب لكل الاحتمالات، بما في ذلك احتمال إقدام “إسرائيل” على استئناف الحرب في نهاية المرحلة الأولى، والتي تنتهي في بداية آذار/مارس القادم. لذا، فمن الطبيعي أن تطرح تساؤلات كثيرة حول الخيارات التي باتت متاحة أمام حماس في مفاوضات المرحلة الثانية.

تبدو حماس في الواقع، وعلى عكس ما يظهر طافياً على السطح، في موقف تفاوضي أفضل مما هي عليه “إسرائيل”، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: لأن النتائج المترتبة على تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً في حال الالتزام التام بكل متطلباتها، تصب في النهاية لصالح الطرف الفلسطيني وليس لصالح الطرف الإسرائيلي.

صحيح أن “إسرائيل” ستتمكّن في نهاية هذه المرحلة من استعادة 33 أسيراً، وسيكون “جيشها” المرهق قد تمكّن من الحصول على فرصة لالتقاط الأنفاس من جحيم ومن عار حرب قذرة يخوضها ضد شعب أعزل، غير أن الشعب الفلسطيني سيكون، رغم تعرضه لعملية إبادة جماعية، قد تمكّن في المقابل، من تحقيق مكاسب أكبر، أهمها:

1- تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين، من بينهم عشرات من المحكوم عليهم بمؤبدات أو بأحكام عالية.

2- عودة أكثر من نصف مليون فلسطيني إلى شمال القطاع، رغم ما حاق بهم من دمار هائل وما يتعرضون له من أوضاع معيشية بالغة الصعوبة، وهو مشهد يشكل في حد ذاته هزيمة ساحقة لكل دعاة التهجير والاستيطان.

3- إدخال بعض المساعدات التي أدت إلى التخفيف نسبياً من حدة المعاناة الإنسانية التي تكبّدها الشعب الفلسطيني بكل طوائفه على مدى ما يقرب من 15 شهراً، والتي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية.

4- ضمان إدراج القضية الفلسطينية نهائياً على جدول أعمال النظام الدولي. 

ثانياً: لأن قرار استئناف القتال لن يكون قراراً سهلاً أو حكيماً بالنسبة إلى “إسرائيل”، وذلك لأسباب داخلية وخارجية عديدة، رغم حرصها الواضح على التلويح به كأداة للضغط على حماس.

فعلى صعيد الداخل الإسرائيلي، يتوقع أن تزداد المعارضة للعودة إلى القتال قبل استعادة باقي الأسرى المحتجزين في القطاع، وأن يزداد الجمهور الإسرائيلي اقتناعاً بأن نتنياهو هو المسؤول الأول عن تخريب المفاوضات، وبأن قراره هذا قد يحقق له مصالح شخصية لكن ليس بالضرورة مصالح “إسرائيل”، خصوصاً أنه سوف يؤدي حتماً إلى مقتل كل من تبقى من الأسرى على قيد الحياة. أما على الصعيد الخارجي، فيتوقع أن يؤدي استئناف القتال إلى عودة اشتعال الاحتجاجات في مختلف دول العالم، وبالذات داخل الجامعات والأوساط الشبابية، وقد يدفع دولاً عديدة، بما في ذلك بعض الدول الغربية، إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد “إسرائيل”، بل إن الإدارة الأميركية نفسها، ورغم ما يبديه ترامب من تعاطف شديد مع “إسرائيل”، وربما مع نتنياهو شخصياً، قد لا تتحمس كثيراً لاشتعال الحرب من جديد في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأسباب كثيرة سنشير إليها لاحقاً.

ثالثاً: لأنه قرار ينطوي على مخاطر كبيرة ونتائجه ليست مضمونة في الوقت نفسه. فلو كان بمقدور آلة الحرب الإسرائيلية، رغم جبروتها، أن تستعيد الأسرى بالقوة، أو تحطيم حماس وإسقاط حكمها في قطاع غزة، لاستطاعت تحقيق جل أو بعض تلك الأهداف خلال فترة القتال التي طالت لما يقرب من خمسة عشر شهراً متواصلة، خصوصاً أن “إسرائيل” حصلت خلال تلك الفترة الطويلة على دعم أميركي غير محدود، وذلك على الصعد العسكرية والاقتصادية والسياسية.

لكل هذه الأسباب، ليس من المستبعد أن يسعى ترامب لإقناع نتنياهو بأن من مصلحته الشخصية، ومصلحة “إسرائيل” في الوقت نفسه، المضي قدماً نحو تنفيذ متطلبات المرحلة الثانية من الاتفاق، وتأجيل التفاوض على القضايا الخلافية الشائكة، خصوصاً ما يتعلق منها بالجهة التي ستتولى إدارة قطاع غزة بعد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، إلى المرحلة الثالثة، وهو ما يفسر الأسباب التي دعت ويتكوف إلى التصريح علناً بأن إدارة ترامب لا توافق على ما ورد في الاتفاق الحالي حول هذه المرحلة، والتي تتعلق في المقام الأول بقضية إعادة الإعمار، وأنها ستسعى جاهدة لإعادة فتح باب التفاوض حول هذه القضية من جديد.

ولأن النص الأصلي لهذا الاتفاق يشير إلى أنه سيتم خلال هذه المرحلة “تبادل جثامين ورفات الموتى من الجانبين، بعد الوصول إليهم والتعرف إليهم، والبدء في تنفيذ خطة للإعمار ولتعويض المتضررين، مدتها من 3-5  سنوات، ويشرف عليها عدد من الدول والمنظمات من بينها مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية، وفتح جميع المعابر والسماح بحرية حركة الأشخاص والبضائع”، تشير تصرفات ترامب وتصريحاته إلى أنه يسعى لربط ترتيبات إعادة إعمار القطاع بمخططاته الرامية إلى التوصل إلى تسوية نهائية للصراع في المنطقة، وهي تسوية ترتكز على رؤيته لتهجير الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى “ريفييرا منطقة الشرق الأوسط”.

تتطابق رؤية ترامب مع رؤية نتنياهو حول مسألتين أساسيتين، الأولى: ضرورة منع حماس من السيطرة على القطاع وإدارته بعد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والثانية: الحيلولة دون قيام دولة فاسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 67، وفقاً لما طرحته القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002، وهو ما يفسر حرص ترامب على أن تنفرد الولايات المتحدة بإدارة كل ما يتعلق بعملية إعمار غزة، بدلاً من إشراك مصر وقطر ودول ومنظمات دولية مختلفة، وفقاً لما ينص عليه الاتفاق الحالي.

ولأن عملية إعمار قطاع غزة سوف تستغرق فترة زمنية طويلة، تتراوح بين 10 و 15 عاماً، يعتقد ترامب أن لديه ما يكفي من الوقت طوال فترة ولايته الثانية لوضع الأسس اللازمة لتوسيع اتفاقيات أبراهام، وإعادة تشكيل المنطقة بما يتفق والأهداف التي يشترك فيها مع نتنياهو ومع اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية نهائياً. لذا، يمكن القول من دون تجاوز أن المفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية ستكون مصيرية بالنسبة إلى مستقبل القضية الفلسطينية. 

بوسع حماس أن تشترط وفاء “إسرائيل” بجميع الالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب المرحلة الأولى، خصوصاً ما يتعلق منها بالبروتوكول الإنساني الذي يقضي بدخول ما لا يقل عن 600 شاحنة من المساعدات يومياً، منها 300 إلى شمال القطاع، بالإضافة إلى 60 ألف كارافان و200 ألف خيمة، وكذلك دخول معدات للدفاع المدني ولصيانة البنية التحتية، وذلك قبل الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

وبوسع حماس أيضاً أن تتمسك إبان هذه المفاوضات باشتراط ضمان مجلس الأمن الدولي وقفاً دائماً لإطلاق النار قبل الشروع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في هذه المرحلة. فليس لدى حماس ما تخسره، خصوصاً بعد الدمار الهائل الذي أصاب قطاع غزة، وبعد التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني إبان صموده الأسطوري أمام آلة الحرب الإسرائيلية، بل ومن واجبها أيضاً أن تضمن عدم حصول “إسرائيل” خلال هذه المفاوضات على ما عجزت عن الحصول عليه بالقوة المسلحة وبوسائل الإبادة الجماعية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى