في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبح الإعلام أداة رئيسية في تشكيل الوعي العام، ونقل المعرفة، والتأثير في الرأي العام.
ومع ذلك، لا تزال المرأة تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال، تجعل من الصعب تحقيق مشاركة متكافئة وعادلة، فرغم الفرص الواسعة التي يوفرها الإعلام الرقمي، إلا أن العقبات الهيكلية والاجتماعية والتكنولوجية لا تزال تعيق تقدم المرأة، مما يجعل الفضاء الرقمي بيئة غير منصفة في كثير من الأحيان.
واقع المرأة في الإعلام الرقمي
تمثل النساء نسبة كبيرة من مستهلكي المحتوى الرقمي ومنشئيه، إلا أن حضورهن في مواقع صنع القرار ما زال محدودًا، حيث تهيمن الأصوات الذكورية على المؤسسات الإعلامية الرقمية، مما يؤدي إلى غياب وجهات النظر النسائية في المحتوى، واستمرار التحيزات التي تقلل من أهمية القضايا التي تهم المرأة، كما تعاني النساء من ضعف التمثيل في الأدوار التقنية المتقدمة، مثل تحليل البيانات وصحافة الذكاء الاصطناعي.
أهم التحديات التي تواجه المرأة في الإعلام الرقمي
ضعف التمثيل القيادي
رغم الكفاءة العالية التي تتمتع بها العديد من النساء في مجالات الإعلام الرقمي، إلا أنهن لا يحصلن على الفرص العادلة لشغل المناصب القيادية، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد وجهات النظر النسائية من المحتوى التحريري ووالقرارات الاستراتيجية.
التمييز في فرص العمل والتوظيف
الفرص الوظيفية في الإعلام الرقمي ليست متاحة بالتساوي بين الرجال والنساء، خاصة في المجالات التقنية المتقدمة، فغالبًا ما تُفضّل الشركات الإعلامية توظيف الرجال في أدوار تحليل البيانات وتطوير المحتوى الذكي، مما يحد من التنوع والشمولية في بيئة الإعلام الرقمي.
التحرش والعنف الإلكتروني
يُعد التحرش الإلكتروني واحدًا من أخطر التحديات التي تواجه النساء في الإعلام الرقمي، فالعديد من الصحفيات وصانعات المحتوى يتعرضن لحملات تشهير، تهديدات، وتنمر رقمي بسبب آرائهن أو نشاطهن على المنصات الاجتماعية.
هذا العنف الرقمي لا يؤثر فقط على حالتهن النفسية، بل قد يدفع البعض إلى التراجع عن العمل الإعلامي أو الحد من تفاعلهن في الفضاء الرقمي.
غياب القوانين والتشريعات الحامية للمرأة في الفضاء الرقمي
في كثير من الدول، لا تزال القوانين غير كافية لحماية النساء من العنف الإلكتروني أو لضمان تكافؤ الفرص لهن في الإعلام الرقمي.
عدم وجود سياسات واضحة يعزز من استمرارية هذه التحديات، ويترك النساء دون آليات حقيقية لمواجهة التمييز والعنف الرقمي.
ضعف فرص التدريب والتأهيل التقني
رغم التطور السريع في التقنيات الرقمية، لا تزال العديد من النساء يعانين من نقص في الوصول إلى التدريب اللازم لاكتساب المهارات الحديثة في الإعلام الرقمي.
فالكثير من الدورات التدريبية والتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وصحافة البيانات لا تكون متاحة بسهولة للنساء، مما يزيد من الفجوة في فرص النمو المهني.
من أجل بيئة إعلامية أكثر إنصافًاً علينا ان:
تعزيز حضور النساء في مواقع القيادة
لا بد من اعتماد سياسات واضحة داخل المؤسسات الإعلامية تضمن تكافؤ الفرص بين الجنسين، وتشجع على تولي النساء للمناصب القيادية، بحيث يكون لهن دور مؤثر في رسم سياسات المحتوى واتخاذ القرارات التحريرية.
توفير برامج تدريبية متخصصة
يجب أن تتبنى المؤسسات الإعلامية ومنصات التعليم الرقمي برامج تدريبية تستهدف تمكين النساء من المهارات التقنية والإعلامية الحديثة.
من الضروري أن تشمل هذه البرامج مجالات مثل إنتاج المحتوى الرقمي، التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصحافة البيانات.
فرض قوانين أكثر صرامة لحماية المرأة في الفضاء الرقمي.
تحتاج الحكومات إلى سن تشريعات واضحة لمكافحة العنف الإلكتروني ضد النساء، وضمان بيئة رقمية آمنة لهن.
كما ينبغي تطوير آليات سهلة وفعالة تتيح للنساء الإبلاغ عن التهديدات والانتهاكات عبر الإنترنت.
دعم منصات إعلامية تقودها النساء
تشجيع إنشاء منصات إعلامية نسائية، أو تعزيز حضور النساء في وسائل الإعلام الكبرى، من شأنه أن يسهم في خلق محتوى أكثر تمثيلًا لاهتمامات المرأة وقضاياها، مما يعزز التنوع والشمولية في الإعلام الرقمي.
نشر الوعي بأهمية مشاركة المرأة في الإعلام الرقمي
لا يمكن تحقيق بيئة إعلامية عادلة دون تعزيز الوعي حول أهمية دور المرأة في الإعلام الرقمي.
حملات التوعية، المبادرات المجتمعية، والتعاون بين المؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية يمكن أن يكون لها تأثير مباشر في تغيير الثقافة السائدة وتعزيز مشاركة النساء.
وختاماُ .. رغم التحديات التي تواجهها المرأة في الإعلام الرقمي، إلا أن الحلول متاحة وقابلة للتنفيذ.
من خلال تعزيز حضور النساء في مواقع القيادة، تقديم التدريب المناسب، محاربة العنف الإلكتروني، ودعم منصات إعلامية أكثر شمولًا، يمكن خلق بيئة إعلامية أكثر عدالة وتمثيلًا.
الإعلام الرقمي ليس مجرد أداة لنقل المعلومات، بل هو مساحة لصياغة المستقبل، ولا يمكن تحقيق مستقبل أكثر إنصافًا دون مشاركة فعالة وعادلة للمرأة في صناعته.