شهدت العلاقات السورية التركية على مدى عقود مضت، في ظل النظام السابق، توترات ونزاعات متكررة ألقت بظلالها على التعاون بين البلدين. ومع التطورات الأخيرة، أعلنت الرئاسة التركية، يوم الاثنين، أن رئيس سورية الجديد، أحمد الشرع، سيزور أنقرة، الثلاثاء، قادمًا من السعودية بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث الملفات الأمنية والاقتصادية. تأتي هذه الزيارة، الأولى من نوعها منذ عام 2009، وسط توقعات بفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، بما يحقق مصالح استراتيجية مشتركة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
التوقعات حول البعد الأمني: تعزيز الاستقرار الإقليمي
من المتوقع أن تركز المحادثات الأمنية على تأمين الحدود السورية التركية، لا سيما في مواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني الإرهابي، الذي يمثل تهديدًا مشتركًا لكلا البلدين. قد تسعى تركيا، خلال هذه الزيارة، إلى تعزيز التعاون مع الإدارة السورية لضمان استقرار المناطق الحدودية، خاصة ان هذا الحزب يسيطر على موارد سورية حيوية من النفط والغاز، بالإضافة إلى أنشطته الإجرامية داخل الأراضي السورية.
كما يُتوقع أن تتضمن المباحثات تبادل المعلومات الأمنية بين الطرفين لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، مثل تهريب المخدرات. ويُرجح أن يؤدي تعزيز الاستقرار الأمني في سوريا إلى تقليص موجات اللجوء إلى أوروبا، وهو ما يمثل مصلحة تركية وأوروبية مشتركة.
البعد السياسي: رفع العقوبات وإعادة التوازن الإقليمي
مع النفوذ الإقليمي لتركيا وعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة، قد تلعب دور الوسيط بين سوريا والمجتمع الدولي لرفع العقوبات الدولية عن سوريا
كما يمكن أن تسهم أنقرة في ارسال تطمينات للقلقين على الأكراد والأقليات داخل سوريا، إضافة الى العمل على ضمان حقوق سوريا في موارد النفط في المناطق الشرقية. ويأتي ذلك وسط تقارير تشير إلى احتمالية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما قد يُفسح المجال أمام تركيا للعب دور الضامن الأمني في تلك المناطق.
التوقعات حول البعد الاقتصادي: طفرة تجارية مرتقبة
تشير البيانات إلى تطور كبير في العلاقات التجارية بين البلدين. فبحسب اتحاد المصدرين في منطقة جنوب شرق الأناضول، ارتفع حجم الصادرات التركية إلى سوريا من 224.3 مليون دولار في عام 2010 إلى 594.5 مليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2024.
هذا النمو يعكس إمكانيات هائلة للتعاون الاقتصادي، خصوصًا في قطاعات مثل الإنشاءات والزراعة والاستيراد والتصدير. وقد شهدت أسهم الشركات التركية في هذه القطاعات ارتفاعًا ملحوظًا، وسط توقعات بأن تصبح سوريا الجديدة سوقًا واعدة للمستثمرين الأتراك، خاصة مع إعلان صندوق النقد الدولي استعداده لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا عند تهيئة الظروف الملائمة, ومؤتمر قمة التعاون الاقتصادية المشتركة بين سورية وتركيا الذي عقد في مدينة غازي عنتاب التركية بتاريخ 4 شباط 2025 والنشاط الذي شهده يؤكد على اهتمام الاتراك الكبير بالبحث عن فرص التعاون والاستثمار في سورية مع رجال الاعمال السوريين.
سوريا الجديدة: علاقة استراتيجية متوازنة
يتوقع أن تُسهم هذه التحركات في فتح صفحة جديدة لسوريا، تتيح لها استعادة مكانتها الجيوسياسية وتعزيز مكانتها الاقتصادية الدولية. كما أن تركيا، التي تدرك أهمية توازن المصالح مع سوريا، تسعى للاستفادة من الفرص الواعدة التي ستقدمها سوريا الجديدة.
في حال تحقق هذه التوقعات، فإن العلاقة السورية التركية قد تشهد تحولًا جذريًا نحو شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المشتركة، بما يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة بأسرها.