مقالات ورأى

أحمد هلال يكتب: مرسي وأحمد الشرع لماذا اختلفت حسابات القوى الدولية؟!

تعددت المقارنات بين النموذج المصري والنموذج السوري واختلفت زوايا الرؤية للمشهد السياسي في مصر وسوريا، ولم تتضح بعد مسارات النجاح أو الفشل لكلا النموذجين، حيث أن كلاهما يمثل نموذجًا مستقلا لمتغيرات الحكم في منطقة الشرق الأوسط.
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، شهدت المنطقة تحولات سياسية غير مسبوقة، أبرزها صعود قوى جديدة إلى سدة الحكم عبر آليات ديمقراطية أو بوسائل أخرى فرضتها الأوضاع الداخلية والدولية. ومن بين هذه النماذج، برز الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، فيما ظهر أحمد الشرع كواجهة جديدة في الأزمة السورية، يمثل نموذجًا قياديًا قد يحدد مستقبل سوريا السياسي.

ورغم التشابه الظاهري بين النموذجين في كونهما يعبران عن تحولات سياسية غير تقليدية، إلا أن المجتمع الدولي والإقليمي تعامل معهما بأسلوبين متناقضين، حيث رفض التجربة المصرية بقيادة مرسي رغم انتخابه ديمقراطيًا، بينما دعم بشكل واضح التجربة السورية ممثلة في أحمد الشرع. فما الفرق بين النموذجين؟ ولماذا تم رفض الأول ودعم الثاني؟ وما نقاط القوة والضعف في كل تجربة؟

أولًا: الفرق بين النموذجين

  1. النموذج المصري – محمد مرسي

جاء محمد مرسي إلى الحكم في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، ممثلًا لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعد أكبر قوة معارضة منظمة في البلاد. كان فوزه في الانتخابات الرئاسية بمثابة إعلان عن تحول ديمقراطي جديد في مصر، حيث جاء عبر صناديق الاقتراع لأول مرة في تاريخ البلاد الحديث.

أبرز ملامح هذا النموذج:

شرعية ديمقراطية: فاز مرسي بانتخابات حرة ونزيهة، ما منحه شرعية دستورية وشعبية قوية.

إسلام سياسي بأجندة إصلاحية: سعى إلى تقديم نموذج للحكم المدني، يجمع بين الديمقراطية والهوية الإسلامية.

محاولات الاستقلال السياسي: حاول مرسي انتهاج سياسة خارجية مستقلة، وهو ما ظهر في تقاربه مع بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر، ومحاولته تنويع الشراكات الدولية.

التحديات الداخلية: واجه مقاومة شديدة من مؤسسات الدولة العميقة، بما في ذلك الجيش والقضاء والإعلام ورجال الأعمال.

  1. النموذج السوري – أحمد الشرع

أحمد الشرع يمثل قيادة جديدة في المشهد السوري، جاءت في سياق البحث عن حلول للصراع المستمر منذ أكثر من عقد. في الوقت الذي فشلت فيه المعارضة التقليدية في تحقيق تغيير جذري، ظهر نموذج الشرع كخيار دولي وإقليمي جديد يمكن أن يكون جزءًا من حل سياسي مستقبلي.

أبرز ملامح هذا النموذج:

مدعوم دوليًا وإقليميًا: جاء بدعم من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة ودول الخليج، التي تبحث عن مخرج للأزمة السورية دون تقويض كامل لمعادلة الحكم.

لا يمثل نموذجًا إسلاميًا خالصًا: على عكس مرسي، لا يرتبط الشرع بجماعة إسلامية كبرى مثل الإخوان المسلمين، مما جعله أكثر قبولًا لدى بعض الأطراف الدولية.

يتمتع بمرونة سياسية أكبر: لديه قدرة على التفاوض مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الدول الغربية والإقليمية، وهو ما جعله خيارًا مقبولًا للفاعلين الدوليين.

ثانيًا: لماذا رفضت السعودية النموذج المصري بينما دعمت السوري؟

رغم أن زيارة مرسي الأولى كانت إلى السعودية واستُقبل بحفاوة، فإن الرياض لم تكن مرتاحة لصعوده إلى الحكم، للأسباب التالية:

  1. تخوفات من تصدير “الديمقراطية “وهذا نموذج يتعارض مع طبيعة الحكم في دول الخليج العربي.

كان صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر يشكل تهديدًا مباشرًا للنظم الملكية في الخليج، التي تعتمد على الحكم الوراثي وليس الانتخابات.

نجاح تجربة مرسي كان يمكن أن يلهم حركات إسلامية في السعودية ودول الخليج للمطالبة بإصلاحات سياسية.

  1. التنافس الإقليمي:

كانت السعودية ترى في تحالف مرسي مع تركيا وقطر تهديدًا لنفوذها الإقليمي.

دعم الرياض للإطاحة بمرسي كان جزءًا من إعادة ترتيب القوى في المنطقة، بما يضمن بقاء مصر ضمن معسكرها.
تنافست السعودية والإمارات على القيام بالدور المحوري والرئيسي في منطقة الشرق الأوسط وتوافقا على تغييب مصر من الساحة السياسية وذلك بدعم إنقلاب عسكري ثم السيطرة على التحركات المصرية في الملفات السياسية الرئيسية.

أما في الحالة السورية، فإن دعم السعودية للنموذج الذي يمثله أحمد الشرع يأتي في إطار محاولتها:

تقليل النفوذ الإيراني في سوريا، حيث يمثل الشرع بديلًا مقبولًا لنظام الأسد دون الحاجة إلى مواجهة شاملة مع إيران،وذلك عبر دعم النموذج السوري ومليء المساحات الجيوسياسية الفارغة الناتجة عن التحولات السياسية التي توافق عليها أصحاب المصالح في سوريا.

إعادة تشكيل سوريا بما يتناسب مع مصالحها الإقليمية، دون السماح بصعود نموذج إسلامي قد يعيد تجربة الإخوان في مصر.

ثالثًا: لماذا وقف المجتمع الدولي ضد مرسي بينما دعم النموذج السوري؟

  1. رفض الغرب للإسلام السياسي في الحكم:

رغم أن مرسي جاء عبر انتخابات حرة، فإن القوى الغربية كانت ترى في تجربة حكم الإخوان تهديدًا لمصالحها في المنطقة.

التخوف من أن تتحول مصر إلى نموذج إسلامي ديمقراطي قد يؤثر على الدول الحليفة للغرب.

  1. دعم الغرب لأي حل يحافظ على مصالحه في سوريا:

المجتمع الدولي يبحث عن حل سياسي للأزمة السورية دون السماح بانهيار الدولة بالكامل.

دعم أحمد الشرع يأتي ضمن استراتيجية تقليل نفوذ إيران وروسيا في سوريا.

رابعًا: نقاط القوة والضعف في النموذجين

  • نقاط القوة في نموذج مرسي:
  • شرعية ديمقراطية شعبية.
  • قدرة على إحداث استقلال سياسي لمصر.
  • مشروع إصلاحي كان يمكن أن يُحدث تغييرًا اقتصاديًا وسياسيًا جذريًا.
  • نقاط الضعف:
  • عدم القدرة على تفكيك الدولة العميقة.
  • غياب الحلفاء الإقليميين الأقوياء الداعمين.
  • عدم وجود خبرة سياسية كافية لإدارة مرحلة انتقالية معقدة.
  • نقاط القوة في نموذج أحمد الشرع:
  • دعم دولي وإقليمي واضح.
  • إمكانية تحقيق تغيير مرحلي دون صدامات كبرى مع القوى الفاعلة.
  • مساحة أكبر للمناورة السياسية مقارنة بنموذج مرسي.
  • نقاط الضعف:
  • غياب شرعية انتخابية وشعبية واسعة داخل سوريا.
  • اعتماده على الدعم الخارجي يجعله أكثر تأثرًا بالمصالح الدولية.
  • عدم وضوح الرؤية حول مدى استقلالية قراراته عن القوى الإقليمية والدولية.

خامسًا: هل كان من الممكن نجاح التجربة المصرية؟!

لو تمكن مرسي من السيطرة على مفاصل الدولة، وتحييد الجيش، وتقوية تحالفاته الإقليمية، لكانت مصر اليوم نموذجًا ديمقراطيًا مستقرًا، بالنظر إلى إمكاناتها الاقتصادية والبشرية.

في الحالة السورية، نجاح أحمد الشرع يعتمد على مدى قدرته على تحقيق توازن بين الداخل السوري والمصالح الدولية، لكنه قد يواجه تحديات أكبر نظرًا لتعقيد المشهد السوري.

وفي كل الأحوال فإن كلا من التجربة المصرية والتجربة السورية تؤشران على رغبة الشعوب العربية في مواصلة الطريق نحو التغيير والحرية وتحقيق مصالح الشعبين.
واذا كانت هناك خطوة نجاح هنا وخطوة تراجع هناك فإن المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية تتجه نحو كتابة مستقبل جديد للمنطقة في ظل التحولات نحو تفكيك البنية التنظيمية للأنظمة الاستبدادية بالكامل.

النموذجان يعكسان طبيعة التحولات السياسية في العالم العربي، حيث لا تكفي الشرعية الديمقراطية وحدها لتحقيق النجاح، بل يتداخل معها الدعم الإقليمي والدولي. رفض المجتمع الدولي لنموذج مرسي كان نتيجة توازنات القوى، وليس نقصًا في شرعيته، بينما دعم أحمد الشرع يأتي في إطار البحث عن حل للصراع السوري دون تغيير جذري في المعادلة الإقليمية. ويبقى التساؤل مفتوحًا: هل يمكن لأي نموذج جديد في المنطقة أن ينجح دون توافق داخلي وإقليمي ودولي؟
والكلمة الأخيرة للإجابة على هذا التساؤل تظل محصورة في قرار الشعوب وإرادتها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى