عربي ودولى

خبير فلسطيني: “السور الحديدي” في جنين استعراضية وبقرار سياسي إسرائيلي

في تصريحات مثيرة للجدل، صرح الخبير الفلسطيني أحمد أبو الهيجاء أن العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في مدينة جنين وُصفت بأنها “استعراضية”، وجاءت نتيجة قرار سياسي إسرائيلي، مما يشير إلى مغزى أعمق وراء التوترات الحالية في المنطقة.

في مقابلة مع وكالة الأناضول، أضاف أبو الهيجاء أن إسرائيل تبحث عن صورة إيجابية لها في الضفة الغربية لتلبية احتياجات جمهورها، خاصة في ظل إعلان وقف إطلاق النار الأخير في غزة. حسب قوله، فإن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في جنين هي صورة مصغرة لما تم تنفيذه من أعمال إبادة جماعية في غزة، وذلك في محاولة لإرسال رسالة ردع إلى الشعب الفلسطيني.

أشار الخبير إلى أن العملية العسكرية، التي انطلقت تحت اسم “السور الحديدي” في 21 يناير/ كانون الثاني، تستهدف إحباط ما وصفته إسرائيل بـ”الأنشطة الإرهابية”، ونتوقع أن تؤدي إلى أضرار جسيمة للعائلات والمنازل في جنين. وتعتبر هذه العملية تكرارًا لعمليات سابقة تم تنفيذها في عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى.

تأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث يشير المتابعون إلى أن الهجوم على جنين هو محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاسترضاء حليف حكومي، مشيرين بذلك إلى وزير المالية اليمني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي كان قد أعرب عن استيائه من وقف إطلاق النار في غزة.

“العملية العسكرية في جنين ليست مجرد مسألة أمنية، بل هي انعكاس للضغوط السياسية الداخلية التي يواجهها نتنياهو,” قال أبو الهيجاء، مشددًا على أن الوضع يتطلب حذرًا وتفهمًا عميقًا لأبعاد الصراع الحالي.

معركة 2002

وقال أبو الهيجاء إن العملية الإسرائيلية الحالية في مخيم جنين “هي أسوأ من عملية شنتها إسرائيل على جنين عام 2002 ودمرت خلالها المخيم إبان انتفاضة الأقصى”.

وأضاف: “في العام 2002 لم ترحّل إسرائيل كافة سكان مخيم جنين، لكن اليوم غالبية السكان نزحوا، المخيم شبه فارغ، والوضع اليوم أكثر تعقيدا مما كان عليه حيث كانت هناك حالة تضامن ووحدة في مواجهة الاحتلال”.

وتابع :اليوم هناك حالة انقسام فلسطيني، الأمر الذي يعقد الوضع في جنين، بالإَضافة إلى فقدان المرجعيات الوطنية في المخيم بين شهيد وأسير”.

والأحد، قال رئيس بلدية جنين محمد جرار للأناضول، إن “عدد مَن هجرتهم إسرائيل من جنين يصل إلى نحو 3 آلاف و200 أسرة فلسطينية، بإجمالي نحو 15 ألف نسمة، في حين لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد من انقطعت بهم السبل”.

وأوضح جرار أن “تقديرات بعض المؤسسات المحلية تشير إلى وجود نحو 70 حالة إنسانية، وعائلات فلسطينية ما زالت داخل المخيم وبحاجة لتدخل عاجل لإخراجها”.

وأشار رئيس البلدية إلى أن الجيش الإسرائيلي “ينكل بكل من يجده داخل منزله ويجبره على مغادرة المخيم”.

وفيما يتعلق بحجم الدمار في المخيم أكد جرار وجود إحصائيات أولية تشير إلى “إحراق إسرائيل ما بين 70 إلى 80 منزلا فلسطينيا، وتدمير ما بين 30 إلى 40 منزلا بشكل كلي، إلى جانب مئات المنازل دمرت جزئيا”.

وأضاف: “الجيش الإسرائيلي يقوم بتجريف وتخريب شوارع، وبنى تحتية، ويشق ممرات لآلياته على أنقاض المنازل الفلسطينية المدمرة”.

وأسفرت العملية الإسرائيلية بمحافظة جنين منذ انطلاقها عن مقتل 17 فلسطينيا، بينهم طفلة، وإصابة 50 آخرين، وفق معطيات فلسطينية رسمية.

قرار سياسي

وقال أبو الهيجاء، إن العملية العسكرية في جنين “جاءت بقرار سياسي أكثر مما هو أمني”.

وأضاف: “في العادة العمليات العسكرية تبدأ بتوصية من جهاز المخابرات (الشاباك) ترفع للجيش الذي يضع خطة عمل ويصادق عليها المستوى السياسي، لكن السور الحديدي مختلفة وجاءت بقرار سياسي”.

ولفت أبو الهيجاء، إلى أنه “بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تم البدء بالعملية الواسعة في جنين وجزء منها مرتبط بالصورة الإسرائيلية أكثر مما هو مرتبط بالعمليات على الأرض”.

وقال: “أيضا لا يمكن أن نقلل من البعد الأمني الموجود وحالة المقاومة في جنين لكن العملية لم تكن مبنية على أي إطارات ساخنة أو خطر محدق بقدر ما هي صورة أريد لها أن تكون موازية للصورة التي ستخرج من قطاع غزة، وهذا يعبر عن المأزق السياسي للحكومة الإسرائيلية في التعامل مع الملف الفلسطيني”.

وأردف أبو الهيجاء: “الشكل العسكري للعملية الذي بدأ بقصف جوي ودخول قوات برية وتصوير المشاهد موجه للرأي العام الإسرائيلي بشكل عام”.

وتابع: “الطائرات قصفت أهداف مدنية، وكل من قتل في اليوم الأول أو أصيب هم من المدنيين، عملية استعراضية بكل التفاصيل”.

واستطرد أبو الهيجاء أن “كل هذا القتل يأتي في ظل وجود حالة متطرفة في المجتمع الإسرائيلي الذي يعد أكثر تطرفا من حكومته وهو ما يمكن لمسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأضاف: “نحن أمام حكومة تطرف تسعى لإشباع نهم المتطرفين وبالتالي تكون معنية بمثل هذه الصورة الاستعراضية من أجل إبرازها”.

والعملية بحسب أبو الهيجاء ” تأتي تطبيقا لخطة الجنرال الأمريكي مايكل فينزل في اجتماع العقبة الأمني مطلع العام 2023، والتي تقوم على إنهاء حالة المقاومة وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتنشيطها”.

صورة مصغرة عن غزة

وأبو الهيجاء، ابن جنين، يقول إن “سلوك الجيش الإسرائيلي في عمليته العسكرية في جنين صورة مصغرة من الإبادة الجماعية التي نفذها في قطاع غزة”.

وأضاف: “هناك تجاوزات كبيرة، فكر الجيوش النظامية لا يعترف به الجيش الإسرائيلي، فهو يقتل ويدمر ويحرق بقرار ميداني”.

وتابع أبو الهيجاء: “تريد إسرائيل أن تردع الشعب الفلسطيني، ويكون مخيم جنين نموذجا لباقي مخيمات ومدن الضفة الغربية عبر الخسائر الكبيرة”.

و”تعتقد إسرائيل إنها قادرة على كي الوعي الفلسطيني، وإنتاج جيل يتعايش مع الاحتلال”، بحسب أبو الهيجاء، لكنه يرى أن “كل تلك الجرائم من المؤكد أنها ستنتج جيلا ثائرا”.

حسم وضم الضفة

وقال أبو الهيجاء، إن “العملية في جنين ترافقت مع قيام الجيش الإسرائيلي بتحويل الضفة الغربية إلى معازل عبر بوابات حديدية وحواجز عسكرية، في إطار السيطرة الكاملة على الضفة، الضم الفعلي موجود على الأرض، وحتى المستوطنات أصبحت تابعة للوزارات الإسرائيلية، ما يجري هو ضم فعلي”.

ورأى أنه “بعد السيطرة على الضفة ستبدأ إسرائيل بتطبيق خطة المدن أي فصل كل مدينة عن الأخرى وكأنها كيان منفصل يصعب التنقل بينها وهذا يأتي ضمن خطة متدحرجة وتسير بدون أي عائق في الضفة شعبي او رسمي وأي تمرد سيتم تصفيته”.

وبموازاة الإبادة بغزة، وسّع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن مقتل 881 فلسطينيا، وإصابة نحو 6 آلاف و700، واعتقال 14 ألفا و300 آخرين، وفق معطيات رسمية فلسطينية.

وبين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، ارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت نحو 159 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى