تقارير

دراسة..الحاجة إلى تطوير الدعم في مصر لا إلغائه⁨

يفهم البعض بالخطأ أن نظام الدعم السلعي العيني في مصر هو من منجزات المرحلة الناصرية، ولكن الحقيقة أن الظهور الأول للدعم كان في العام 1941-1942 وبلغت قيمته في حينها نحو 900 ألف جنيه لدعم أسعار الكيروسين والسكر، وقد أتى ردّاً على انقطاع واردات هذه المواد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية. ثمّ اعتمد مرّة ثانية في موازنة العام 1960-1961 بقيمة 9 ملايين جنيه لدعم أسعار القمح والكيروسين والسكر.1 ويُعبّر الدعم عن تقديم السلع والخدمات بسعر أقل من قيمتها لدعم الفئات الضعيفة في المجتمع، ويتم ذلك عينياً أو نقدياً أو بالأسلوبين معاً.

استمرّ الدعم بصيغته العينية منذ إطلاق «كوبونات الكيروسين» في الحرب العالمية الثانية وطوال الحقبة الناصرية، وزيدت إليه سلع أخرى كما ظهرت المجمعات الاستهلاكية التي تبيع السلع الغذائية بأسعار مدعومة. استمرّ الرئيس أنور السادات في استخدام نظام الدعم في خلال التحضيرات لحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. لكن بعد العام 1974، وصدور قانون الاستثمار والمناطق الحرّة، شهدت مصر تحوّلات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى استمرّت حتى عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ومن ثمّ الرؤساء عدلي منصور ومحمد مرسي وعبد الفتّاح السيسي. وقد ارتبط تقييم الدعم بقروض صندوق النقد والبنك الدوليين، والتوجّه إلى تقليص قيمته ضمن رؤية تحرير الاقتصاد وتعميق التبعية والخضوع للسوق الدولية.

يعتبر رفع الدعم وتحرير الأسواق وتقليص دور الدولة وإطلاق يد القطاع الخاص وتقليص عدد موظّفي الحكومة من أبرز النقاط الواردة في برامج الصندوق منذ العام 1977 وحتى آخر قرض أبرِم معه في العام 2022

اعتمد صندوق النقد برنامجاً لما سُمّي تحرير الاقتصاد المصري منذ سبعينيات القرن الماضي تضمّن تحرير الأسعار وتحرير الإنتاج، فتقلّص القطاع العام لصالح القطاع الخاص. وبعد تفجّر انتفاضة الخبز في 18 و19 كانون الثاني/يناير 1977، بدأت الحكومة تتلاعب بمخصّصات الدعم بطرق مختلفة منها التلاعب في عبوات السلع مثل الزيوت والسكر ووزن رغيف الخبز، بالتوازي مع تفرّد القطاع الخاص بالسوق وعودة الاستيراد المنفلت من أي ضوابط. وسادت في سوق السلع التموينية مواد منخفضة الجودة. ترافق ذلك مع خطّة لتدمير الزراعة المصرية من خلال إلغاء الدورة الزراعية، وتحرير العلاقة الإيجارية، وتحرير سوق البذور والأسمدة والمبيدات، وإلغاء التوريد الإجباري للمحاصيل الزراعية، وتحويل بنك التسليف الزراعي والتعاوني إلى بنك تجاري يعطي الفلّاحين قروضاً بفوائد مرتفعة. بالنتيجة، تقلّص الاكتفاء الذاتي من الحاصلات الزراعية وازداد الاعتماد على الاستيراد، وأصبحت مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم وخامس دولة مستوردة للذرة.

فخّ الديون الخارجية والدعم

ترتبط سياسات تقليص الدعم وتحويله إلى دعم نقدي بالغرق في الديون الخارجية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي بالكامل. بدأت المسيرة بقرض من الصندوق في العام 1977 بقيمة 186 مليون دولار لحلّ مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخّم الذي قارب 8.6%. من ثمّ وقّعت الحكومة المصرية برنامج التثبيت الاقتصادي مع صندوق النقد في خلال الفترة الممتدّة بين عامي 1977-1981، من أجل تجاوز المشاكل الخاصة بالعجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات. ولجأت مصر إلى الصندوق مرّة أخرى في عامي 1991- 1993، في خلال عهد مبارك، واقترضت نحو 375 مليون دولار لسدّ عجز الميزان التجاري.

في خلال العام 2016، تبنّت الحكومة المصرية برنامج إصلاح اقتصادي لمدّة 3 سنوات، عقب الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد موزّع على 6 شرائح تصرف على مدار 3 سنوات تزامناً مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في العام 2016. وفي خلال العام 2020، حصلت مصر على قرض جديد بقيمة 2.7 مليار دولار كمساعدات عاجلة من خلال أداة التمويل السريع للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا. ويعتبر رفع الدعم وتحرير الأسواق وتقليص دور الدولة وإطلاق يد القطاع الخاص وتقليص عدد موظّفي الحكومة من أبرز النقاط الواردة في برامج الصندوق منذ العام 1977 وحتى آخر قرض أبرِم معه في العام 2022.

على الرغم من نمو القيمة النقدية لمخصّصات الدعم، إلا أن قيمته الحقيقية تقلّصت كنسبة من نفقات الموازنة ومن الناتج المحلي الإجمالي. وفي موازنة 2024-2025، أصبح الدعم يمثل 11.5% فقط من استخدامات الموازنة، في مقابل 62.1% لأقساط الديون وفوائدها

أبرمت مصر اتفاقاً مع صندوق النقد في كانون الأول/ديسمبر 2022 للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار في مقابل تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يركّز على محاور رئيسة، تشمل تطبيق نظام سعر صرف مرن، وتنفيذ سياسة نقدية لخفض معدلات التضخّم، وإلغاء دعم برامج الإقراض، وخفض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتقليص الاستثمارات الحكومية. وفي آذار/مارس 2024، رفع الصندوق قيمة القرض المقدّم لمصر إلى 8 مليارات دولار، في مقابل تنفيذ البرنامج الذي تعهّدت به مصر وعلى رأسه إلغاء الدعم وتقليصه.

أرقام في الدعم

في العام 1978-1979، لم تتجاوز مخصّصات الدعم قيمة 1.2 مليار جنيه، ثمّ ارتفعت إلى 3.5 مليار جنيه في العام 1990، ومن ثمّ إلى 5.3 مليار جنيه في العام 2000. أما في عام الثورة المصرية 2010-2011 فقد بلغت مخصّصات الدعم نحو 139.5 مليار جنيه، لترتفع إلى 231.2 مليار في 2015-2016، ومن ثم إلى 635.9 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2024-2025.

ترافق ارتفاع مخصّصات الدعم مع ارتفاع عدد السكان من 40.7 مليون نسمة في العام 1977 إلى 105.9 مليون نسمة في بداية العام 2024. أيضاً، في العام 1977 كان سعر الدولار يساوي 39 قرشاً، وفي العام 2010 كان يساوي 5.6 جنيهاً، وفي العام 2025 أصبح يساوي 50.2 جنيهاً. كما ارتفع معدل التضخّم من 2.7% في العام 2000 إلى 11.1% في العام 2010، وبلغ 33.9% في العام 2023. ولو حسبنا المتغيرات الثلاثة، أي عدد السكان وسعر الصرف ومعدّل التضخم، يمكن ملاحظة حجم تقلص وانكماش مخصّصات الدعم بوضوح تام.

ما بين 2010-2011 و2024-2025، تقلّصت نسبة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من إجمالي نفقات الموازنة من 30.6% إلى 16.4%، وتقلّصت أهمّيته إلى الناتج المحلي الإجمالي في خلال الفترة نفسها من 8.9% إلى 3.7%، وهذا يوضح أنه على الرغم من نمو القيمة النقدية لمخصّصات الدعم، إلا أن قيمته الحقيقية تقلّصت كنسبة من نفقات الموازنة ومن الناتج المحلي الإجمالي. وفي موازنة 2024-2025، أصبح الدعم يمثل 11.5% فقط من استخدامات الموازنة، في مقابل 62.1% لأقساط الديون وفوائدها. فهل إلغاء الدعم بالكامل سيحل مشكلة عجز الموازنة العامة للدولة؟

ما وراء مخصّصات الدعم

تتحدّث معظم البيانات والأحاديث الحكومية عن ضخامة مخصّصات الدعم، التي تبلغ 635.9 مليار جنيه، في حين يتم إغفال أي ذكر لنحو 3440.6 مليار جنيه مخصّصة لسداد أقساط الديون وفوائدها. أيضاً تتحدّث كل برامج صندوق النقد عن تخفيض الدعم كوسيلة لتخفيض عجز الموازنة، في حين أن تطبيق شروط الصندوق ساهمت في زيادة عجز الموازنة العامة من 134.2 مليار جنيه في 2010-2011 إلى 1243 مليار جنيه في 2024-2025.

مبلغ 636 مليار جنيه المرصود في الموازنة كمخصّصات للدعم ليس موجّهاً بالكامل لدعم المواطنين والفقراء وتوفير السلع والخدمات لتكون في متناول المستحقّين

وإذا عدنا إلى قيمة الدعم، يتبيّن أنها تنطوي على مغالطات حسابية ومحاسبية، وأشكالاً لا يمكن اعتبارها دعماً، وهي:

أولاً، الخلط بين دعم المستثمرين ورجال الأعمال من جهة ودعم المواطنين والفقراء من جهة أخرى، واعتبار القيمة كلها دعماً. في حين أن قيمة الدعم المخصّص للمصدّرين تبلغ 23 مليار جنيه، بالإضافة إلى 17.5 مليار جنيه لدعم الأنشطة الصناعية، ونحو 13.1 مليار جنيه لدعم المؤسسات المالية، وهو ما يشكّل مُجتمعاً نحو 8.4% من مجمل قيمة الدعم.

ثانياً، توجد مغالطات محاسبية في احتساب قيمة الدعم، خصوصاً أن نحو 154.5 مليار جنيه منه مخصّصة لدعم المنتجات البترولية، وهو ما يشكّل 24.3% من مخصّصات الدعم، ويشكّل الفروق المحاسبية بين سعر البيع للمصريين في الداخل وتكلفة الفرصة البديلة إذا تمّ تصديره للخارج بالسعر العالمي، وبذلك يزيد مخصّص دعم المنتجات البترولية عن مخصّص دعم السلع التموينية. وهذا ما يريد الصندوق تقليصه وإلغائه، علماً أن قيمته لا تتجاوز 134.1 مليار جنيه في 2024-2025 وتمثّل نحو 21.1% فقط من مخصّصات الدعم.

ثالثاً، على الرغم من الحديث عن دعم المنتجات البترولية، تمت زيادة أسعارها 13 مرّة منذ العام 2014 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2024.

رابعاً، يوجد نحو 142.6 مليار جنيه، أي ما يمثل 22.4% من مخصّصات الدعم، لا علاقة له بالدعم من قريب أو بعيد. فقد اقترضت الحكومة أكثر من 900 مليار جنيه من صناديق المعاشات، وضمت هذا المبلغ إلى الخزانة العامة على الرغم من أنها أموال خاصة، وتعهّدت بسدادها في فترة 50 عاماً. وبدلاً من تحمّل الخزانة العامة لهذا المبلغ الذي هو جزء من ديون صناديق المعاشات، تَحتسب هذه النسبة كدعم، وهو ما يعتبر شكلاً من أشكال التلاعب لتعظيم أرقام الدعم.

خامساً، يوجد مبلغ 46.7 مليار جنيه. يشكّل 7.4% من مخصّصات الدعم، وهو احتياطيات توضع لمواجهة أي احتياجات إضافية تظهر في خلال السنة المالية، ويتم احتسابها من مخصّصات الدعم، وقد تستخدم أو لا تستخدم.

بذلك نجد أن مبلغ 636 مليار جنيه المرصود في الموازنة كمخصّصات للدعم ليس موجّهاً بالكامل لدعم المواطنين والفقراء وتوفير السلع والخدمات لتكون في متناول المستحقّين. كما توجد متغيّرات لا تضعها الحكومة في اعتبارها عند الحديث عن الدعم وأعبائه، وهي زيادة عدد السكان وسعر الصرف ونسبة التضخّم، فضلاً عن الحديث عن الدعم كعبء على الموازنة وإهمال عبء الأقساط وفوائد الديون التي تشكّل 62.1% من استخدامات الموازنة.

بين عامي 2005 و2022، انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح من 56.4% إلى 51.2%، والذرة الشامية من 64.7% إلى 48.5%، والأرز من 126.5% إلى 97.4%، والفول من 41.2% إلى 21.9%، والعدس من 1.3% إلى 1.1%، واللحوم الحمراء من 76.2% إلى 63.8%. وفي خلال الفترة نفسها، انخفض أيضاً متوسط نصيب الفرد من السلع الغذائية، فيما ارتفع معدل الفقر من 25.2% إلى 35%.

تتجّه الأسر الفقيرة إلى استبدال بعض العناصر الغذائية بأخرى أقل تكلفة وأقل قيمة غذائية، وأن السلعتين اللتين زاد استهلاكهما هما البطاطس وأنواع من المعكرونة

وبناءً على مسح أجراه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية على عيّنة من 6 آلاف أسرة فقيرة أو قريبة من الفقر في مناطق مختلفة داخل مصر، في خلال الفترة الممتدّة بين تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2022، عن تغيّر أنماط الاستهلاك بعد تخفيض الجنيه في مارس 2022، تبيّن أن 85% من الأسر تراجع استهلاكها من اللحوم، فيما خفضت 75% من الأسر استهلاكها من البيض، و73% منها خفّضت استهلاك الدواجن، و61% منها خفّضت استهلاك الأسماك. وقالت 60 % من الأسر إنها قلّلت استهلاكها من اللبن.

وعلّلت النسبة الأكبر من الأسر هذا التخفيض في الاستهلاك بارتفاع الأسعار. وفي المقابل، تتجّه الأسر الفقيرة إلى استبدال بعض العناصر الغذائية بأخرى أقل تكلفة وأقل قيمة غذائية، وأن السلعتين اللتين زاد استهلاكهما هما البطاطس وأنواع من المعكرونة.2

توصّلت دراسة لهبة الليثي عن مؤشّرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017-2018 إلى أنه عند مقارنة الاستهلاك الفعلي للفرد في العام 2015، ثمّ في العام 2017-2018، يتضح انخفاض الاستهلاك الفعلي للفرد بين عامي 2015 و2018 بنحو 5.1%، وسجّل الانخفاض في الحضر نسبة أكبر منه في الريف، كما بلغ الانخفاض في المحافظات الحضرية نسبة أكبر من الأقاليم الجغرافية الأخرى. فضلاً عن ذلك، لا يزال 52% من سكان ريف الوجه القبلي عاجزون عن الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، ولا يزال ثلثي الفقراء يسكنون في الريف.3

إلى ذلك، توصّلت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2019-2020 إلى أن الدعم العيني يساهم في تخفيف معدل الفقر بعشر نقاط مئوية، وهو يشمل دعم الغذاء والغاز المنزلي والكهرباء، وفي حال تم إلغائه سيزيد عدد الفقراء نحو 10 ملايين فرد.4

وبحسب أمنية حلمي، تحقّق سياسة الدعم الحالية فوائد كثيرة من أهمّها تخفيف حدّة الفقر، وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسي. كما يوفر دعم السلع الغذائية الأساسية حوالي 40% من احتياجات محدودي الدخل من السعرات الحرارية. أمّا بالنسبة إلى تحقيق الاستقرار السياسي، فتدرك الحكومة صعوبة تقبّل المواطنين لتخفيض أو إلغاء الدعم، إذ لا يزال ماثلاً في الأذهان قرار رفع أسعار بعض السلع المدعومة كالخبز والأرز والسكر والسجائر والبوتاغاز في العام 1977، الذي أدّى إلى مظاهرات كبيرة في كانون الثاني/يناير من العام نفسه، ما اضطرها إلى التراجع وإعادة الأسعار المدعومة إلى ما كانت عليه.5

تراجع عدد المستفيدين من دعم الخبز من 77 مليون شخص في العام 2017-2018 إلى 72 مليون شخص في العام 2024-2025، وتراجعت كمية الخبز المستحقة للمواطنين من 140 مليار رغيف إلى 96.5 مليار رغيف

أكّدت عشرات الدراسات وكذلك تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أهمّية الدعم العيني في تخفيض معدّلات الفقر، إلا أن ضغوط الدائنين ومطالبتهم بإلغاء الدعم تدفع إلى تعليق عجز الموازنة على مخصّصات الدعم، بينما يتم غضّ الطرف عن أهمّية الإنفاق على الفوائد وأقساط الديون ودورها في تفاقم عجز الموازنة.

التحوّل إلى الدعم النقدي ليس الحل

يضغط صندوق النقد من أجل تقليص مخصّصات الدعم في الموازنة والتحوّل من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، على الرغم من استمرار عجز الموازنة وتفاقمه.

ينقسم دعم السلع التموينية إلى قسمين، القسم الأول هو دعم رغيف الخبز، والقسم الثاني هو دعم السلع الأساسية. وقد ارتفعت قيمة دعم السلع التموينية من 31 مليار جنيه في العام 2010-2011 إلى 134.1 مليار جنيه في العام 2024-2025. فيما ارتفع دعم رغيف الخبز في خلال الفترة نفسها من 22.4 مليار جنيه إلى 90.7 مليار جنيه نتيجة الاعتماد على استيراد أكثر من نصف احتياجاتنا من القمح وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.

وعلى الرغم من ذلك، تراجع عدد المستفيدين من دعم الخبز من 77 مليون شخص في العام 2017-2018 إلى 72 مليون شخص في العام 2024-2025، وتراجعت كمية الخبز المستحقة للمواطنين من 140 مليار رغيف إلى 96.5 مليار رغيف، في حين ارتفعت قيمة دعم السلع الأساسية من 32.5 مليار جنيه إلى 36.1 مليار جنيه. في المقابل، رفعت الحكومة سعر رغيف الخبز المدعوم من 5 قروش إلى 20 قرشا وادعت أن السعر ظل ثابتاً لمدة 30 عاماً.

لا يُعدّ الدعم الوسيلة الوحيدة الممكنة لإعادة التوزيع، فالسياسة التنموية هي التي تعالج أسباب المشكلة بدل السماح باستمرارها والاقتصار على التعامل الجزئي مع النتائج

تردّ سلمى حسين على ذلك بتبيان أن الحكومة قامت فعلياً بتقليص وزن الرغيف المدعوم أربع مرات في خلال الفترة الممتدّة بين عامي 2014 و2020، وهو الوجه المقابل لزيادة السعر. وفي حين بقي سعر رغيف الخبز 5 قروش، تقلّص وزنه الرسمي من 130 غراماً إلى 90 غراماً، على الرغم من وجود جائحة وأزمة أسعار غذاء عالمية. وأخيراً كشف تحقيق مدقّق عن وزن الرغيف في عشر محافظات انخفاضَه إلى ما بين 60 و75 غراماً. وهو ما ينمّ عن غياب كامل للحكومة في أن تضمن – عبر الرقابة والعقاب – أن يصل الدعم إلى المواطنين بدلاً من أن يستقر في جيوب أصحاب الأفران.6

الدعم كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية

مع ذلك، لا يُعدّ الدعم الوسيلة الوحيدة الممكنة لإعادة التوزيع، فالسياسة التنموية هي التي تعالج أسباب المشكلة بدل السماح باستمرارها والاقتصار على التعامل الجزئي مع النتائج. ويمكن لمثل هذه السياسة الشاملة أن تتضمن المكوّنات التالية:

تعديل التوزيع الأولي للموارد من خلال رفع الحد الأدنى للأجور، وشموله جميع الفئات، بما في ذلك العاملون والعاملات في القطاعات غير المهيكلة وفي مجمل القطاعات والمهن القليلة الدخل،

تعميم نظام الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق الخدمات التي يشملها،

اعتماد نظام ضريبي عادل يوزّع الأعباء بما يتناسب مع الثروة الفعلية ويضمن إعادة توزيعها لصالح الأقل دخلاً،

وضع نظام قانوني وعملي فعّال لمكافحة الاحتكار وضبط التلاعب بالأسعار وتقييد الأرباح وفق أسس موضوعية وواقعية.7

أما دراسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فقد انتهت إلى:

ضرورة استمرار الدعم بصورتيه السلعية والنقدية، خصوصاً مع تراجع الأوضاع المعيشية لأعداد كبيرة من المصريين في السنوات الأخيرة، ما يتطلّب التوسع في أشكال الدعم وليس تقليصه أو تحويله إلى الشكل النقدي المعرّض للتآكل السريع في ظل التضخّم المرتفع.

زيادة مخصّصات الدعم العيني الغذائية بحيث تتوافق مع خطر الإفقار المتزايد الذي يهدّد شرائح كبيرة من السكان.

تحسين عمليات تحديث البيانات وضمّ المستحقين الجدد، وتعزيز الرقابة لتحسين كفاءة النظام وتقليص الهدر والتسرّب.

التوسّع في مخصّصات الدعم النقدي وربط قيمته بخط الفقر ومعدّل التضخم، بما يضمن حصول السكان على الحد الأدنى من حقوقهم الأساسية.

العمل بشكل سريع على تحسين هيكل الضرائب من خلال عدد من الإجراءات من ضمنها التفعيل الفوري لضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة، ورفع كفاءة تنفيذ وتحصيل الضريبة العقارية وزيادة تصاعدية الضريبة على الدخل بما يتوافق مع زيادة معدلات اللامساواة الاجتماعية.

العمل على علاج مشكلة تفاقم الدين العام وهو المدخل الرئيس لتخفيف الضغط على الميزانية، بالإضافة إلى تخفيض معدلات الفائدة ،ما يساهم في توفير مساحة مالية.8

أما لقاء خبراء معهد التخطيط القومي فقد انتهى إلى النتائج التالية:

المراجعة الدورية للشروط التي تطبّقها وزارة التموين لحصول السكان على البطاقات التموينية.

مراجعة دعم الغذاء الحالي بما هو دعم غذائي فقط، وتوفير دعم للغذاء وسلع أخرى غير غذائية.

إحكام الرقابة على منافذ التوزيع، خصوصاً بالنسبة إلى بعض القرى والمناطق المعروف عنها الاتجار في السلع التموينية.

حوكمة منظومة دعم الغذاء عن طريق مراجعة القوانين والإجراءات التي تنظّم عملها. وكذلك وجود آليات شكاوى للمواطنين يسهل استخدامها، ووجوب الردّ على هذه الشكاوى من الجهات الحكومية المعنية في غضون مدة محدّدة.

تنفيذ برامج التمكين الاقتصادي التي تساعد الفقراء على الخروج من دائرة الفقر، وتساعد مواطنين على عدم الانزلاق إلى الفقر. 9

بذلك توجد ضرورة لاستمرار الدعم بصورتيه السلعية والنقدية، وزيادة مخصّصات الدعم الغذائي مع ضرورة ربطه بخط الفقر ومعدل التضخّم. وتحسين هيكل الضرائب وعلاج مشكلة تفاقم الديون مع ضرورة مراجعة قيم الدعم، إذ ليس من المعقول تثبيت قيمة نصيب الفرد في البطاقات التموينية عند 50 جنيه منذ العام 2018 على الرغم من معدلات التضخم المرتفعة. ونخلص من ذلك إلى ضرورة الإبقاء على الدعم العيني لدوره الكبير في تخفيف حدة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.

المصدر/ السِفر

المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى