في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، التي عُقدت في جنيف بتاريخ 28 يناير 2025، ألقى وزير الخارجية المصري كلمة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، سعى من خلالها إلى تقديم صورة وردية عن حالة حقوق الإنسان في البلاد. إلا أن هذه الكلمة كانت مليئة بالمغالطات والتضليل، متجاهلةً الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمواطنين العاديين.
مغالطات في الخطاب الرسمي
أشار وزير الخارجية في كلمته إلى أن “النهوض بأوضاع حقوق الإنسان في مصر بمفهومها الشامل، في القانون والممارسة، لم يكن ليتحقق بدون إرادة سياسية قوية، وبتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، في إطار إقامة جمهورية جديدة وبناء دولة مدنية حديثة قائمة على أسس المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، دولة يتمتع فيها جميع مواطنيها بثمار التنمية دون تمييز”.
هذا التصريح يتناقض مع الواقع الموثق من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية، حيث تستمر الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في مصر.
الواقع المرير: انتهاكات مستمرة
بالرغم من محاولات النظام المصري لتجميل صورته أمام المجتمع الدولي، إلا أن التقارير الحقوقية تشير إلى استمرار الانتهاكات الجسيمة، ومنها:
• الاحتجاز التعسفي والمحاكمات الجائرة: خلال عام 2023، أُفرج عن 834 سجينًا من المحتجزين لأسباب سياسية، بينما أجرت نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات مع ما لا يقل عن 2,504 من المشتبه أنهم منتقدون أو معارضون اعتُقلوا في عام 2023،
بتهم تتعلق بالإرهاب وجرائم معلوماتية والتظاهر ونشر “أخبار كاذبة”.
• الإدراج التعسفي على قوائم الإرهاب: شمل هذا الإجراء مدافعين عن حقوق الإنسان ونقابيين وصحفيين، حيث أُضيف 820 شخصًا إلى “قوائم الإرهاب” الحكومية خلال عام 2023، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، مما يحرمهم من حقوقهم المدنية والسياسية.
• التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة: واصلت قوات الأمن، بما في ذلك قطاع الأمن الوطني، إخضاع معارضين للاختفاء القسري. ووفقًا لحملة “أوقفوا الاختفاء القسري”، فقد تعرَّض ما لا يقل عن 70 شخصًا ممن اعتُقلوا في عام 2023 للاختفاء القسري، بينما ظل مصير ومكان ستة أشخاص منهم في طي المجهول.
• الإفلات من العقاب: ساد الإفلات من العقاب عن أعمال القتل غير المشروع، والتعذيب، والاختفاء القسري، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في عام 2023 والأعوام السابقة.
وبالرغم من مرور عشر سنوات، لم يُحاسب أي مسؤول عن أعمال القتل غير المشروع لما لا يقل عن 900 شخص خلال الفضِّ العنيف لاعتصامات لمؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي، يوم 14 أغسطس/آب 2013.
هذه الأرقام تعكس حجم الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في مصر، وتتناقض بشكل صارخ مع ما تم تقديمه في كلمة وزير الخارجية أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
سبل التصدي لهذه الانتهاكات
لمواجهة هذه الانتهاكات المستمرة، يجب على منظمات المجتمع المدني والجهات الدولية المعنية اتخاذ الخطوات التالية:
1. التوثيق المستمر: جمع الأدلة والشهادات حول الانتهاكات وتقديمها للهيئات الدولية المختصة.
2. الضغط الدولي: حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على ممارسة الضغط على النظام المصري لوقف هذه الانتهاكات.
3. المساءلة القانونية: السعي لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية.
4. التوعية الإعلامية: نشر الوعي حول هذه الانتهاكات من خلال وسائل الإعلام المختلفة لفضح ممارسات النظام المصري.
إن استمرار النظام المصري في تقديم تقارير مضللة أمام المجتمع الدولي لن يغير من حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق المواطنين. يجب على المجتمع الدولي أن يكون واعيًا لهذه المراوغات وأن يتخذ خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين عنها.
بقلم: إسلام الغمري
نائب مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية