نشر الدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة الليبرالي المصري نداءٍ عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي إكس، مطالبًا بالكشف عن مكان الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي جاء نصها
واحد وعشرون يومًا مرّت، واحد وعشرون ليلةً ثقيلةً، لا خبر، لا أثر، لا صوت. واحد وعشرون يومًا من الغياب القسري، حيث لا إجابة عن سؤالٍ بسيط لكنه مفصلي: أين عبدالرحمن يوسف؟
عبدالرحمن يوسف، الشاعر الذي لم يكن يومًا صدىً لغير ضميره، ولا تابعًا إلا لحقيقةٍ ناصعة لا تعرف التلون، يقبع اليوم في مجهولٍ صنعته أنظمةٌ ترى في الكلمة الحرة خطرًا، وفي الصدق تهديدًا. لم يكن مجرد شاعرٍ يكتب عن الحرية من بعيد، بل كان دائمًا في قلب الحدث، منحازًا إلى المبدأ، متشبثًا بقضيته الكبرى: أن تكون الكلمة مسؤولية، وأن يكون الموقف شرفًا لا يُباع.
عرفته منذ 2007، حين كنتُ في السجن، فجاءني صوته قبل أن أراه، عبر ديوانٍ أرسله إليّ ليقول لي: “لستَ وحدك.” لم يكن يومًا ممن يخشون الثمن، ولا ممن ينتظرون الإذن لقول الحق. وعندما جاء يناير 2011، كان كما عهدته، في الساحات، يهتف مع الثوار، يحرس الحلم من الخذلان، ويحفر اسمه في ضمير هذه الأمة.
لكنه اليوم ليس في الساحات، ولا بيننا، ولا حتى في أي مكانٍ نعرفه. منذ أن تم ترحيله من لبنان إلى الإمارات – في ظل حكومة نجيب ميقاتي – انقطعت أخباره تمامًا. لم يُسمح له بالتواصل مع أسرته أو محاميه، ولم تُعلن أي جهة عن مكانه أو مصيره، في انتهاكٍ صارخٍ لكل الأعراف والاتفاقيات الدولية.
ما حدث لـ عبدالرحمن يوسف ليس مجرد حادثة فردية، بل هو جريمةٌ وفق القانون الدولي.
تنص “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” على أن الاختفاء القسري هو جريمةٌ ضد الإنسانية إذا كان جزءًا من نمط واسع أو ممنهج، وتلزم الدول بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري ومنعها ومعاقبة المسؤولين عنها. كما تؤكد المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا.”
أما ”اتفاقية مناهضة التعذيب”، فتنص على أن أي دولة تحتجز شخصًا بشكل سري أو تمنع عنه الاتصال بمحاميه أو ذويه، تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن أي أذى قد يلحق به. إن منع عبدالرحمن يوسف من أي تواصل أو إجراءات قانونية عادلة، ووضعه في طيّ المجهول، ليس فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل هو جريمةٌ مستمرةٌ لا تسقط بالتقادم.
كيف يمكن لهذا الصمت أن يستمر؟ كيف يمكن أن نمرّ على غيابه مرور العابرين؟ واحد وعشرون يومًا، ولا أحد يعلم أين هو، لا أحد يعلم كيف يقضي أيامه ولياليه، لا أحد يملك إجابةً واحدة عن مصيره.
العالم كلّه يجب أن يتحرك من أجل إنقاذ عبدالرحمن يوسف. إن بقائه في قبضة المجهول هو عارٌ على كل منظومةٍ تدّعي احترام القانون، وفضيحةٌ لكل مؤسسةٍ تتغنى بالدفاع عن حقوق الإنسان.
في أربعينيات القرن الماضي، كانت الأنظمة الفاشية تُخفي معارضيها فيما سُمِّي بـ “مرسوم الليل والضباب”، حيث يتم اقتياد الأحرار إلى مصيرٍ مجهول، دون محاكمة، دون أثر، ودون حتى أن يُعرف مكان دفنهم. كانت تلك سياسةَ الرعب لإسكات الشعوب، وكان ذلك زمنًا ظن العالم أنه قد تجاوزه.
لكننا اليوم، وبعد أكثر من سبعين عامًا، نجد أنفسنا أمام تكرارٍ لنفس المشهد، بأساليب حديثة، ولكن بنفس القسوة، وبذات الجريمة. عبدالرحمن يوسف ليس أول من يواجه هذا المصير، لكننا سنحرص على ألا يكون الأخير.
واحد وعشرون يومًا في الضباب، لكننا لن ندع هذا الضباب يطول.
لن نصمت. لن نقبل بأن يصبح الغياب القسري واقعًا، ولا بأن يُمحى اسم عبدالرحمن يوسف كما لو أنه لم يكن. سنواصل الطرق، سنواصل السؤال، سنواصل الضغط، حتى يُكسر هذا الصمت، ويعود إلى مكانه الطبيعي: بين الكلمة، بين أهله، وبيننا.