تقاريرحقوق وحريات

منظمة العفو الدولية تدين تصاعد القمع السياسي والاعتقالات التعسفية في مصر قبل الاستعراض الأممي

اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بتكثيف القمع السياسي ضد المعارضين واستغلال النظام القضائي لاستهداف النشطاء وتضييق الخناق على حرية التعبير.

رصدت المنظمة سلسلة من الإجراءات القمعية التي طالت العديد من الشخصيات البارزة، وتحدثت عن التحقيقات المستمرة مع حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حيث اتهمته السلطات بنشر أخبار كاذبة وتمويل جماعة إرهابية. وأُفرج عنه بعد دفع كفالة مالية باهظة، رغم استمرار التحقيقات الجائرة التي كشفت عن نية السلطات في تصفية الأصوات المعارضة.

واجه بهجت تحقيقًا استمر لساعات، تركز على نشاط المبادرة المصرية وتمويلها، بالإضافة إلى بيان نشرته المبادرة حول تدهور الأوضاع في سجن العاشر من رمضان. وجاء رد فعل الحكومة على هذا البيان بتهديدات قانونية، مما يكشف عن غياب تام لاحترام حقوق الإنسان في البلاد واستمرار النهج القمعي ضد المنظمات الحقوقية.

لم تتوقف موجة القمع عند حد النشطاء الحقوقيين، بل امتدت لتشمل السياسيين المستقلين. حيث كشفت منظمة العفو الدولية عن إحالة هشام قاسم، الناشر والسياسي، للمحاكمة بتهمتين: القذف والإزعاج المتعمد. وقد أكد محاميه، ناصر أمين، أن موكله لم يتم إبلاغه بالقضية الجديدة التي رفعت ضده بشكوى من وزير سابق، مما يثير الشكوك حول دوافع سياسية تقف وراء هذه القضية. وعقدت المحكمة جلسة استماع دون إخطاره، في خطوة تعكس استغلال القضاء لتحقيق أهداف السلطة وتكميم الأفواه.

استمرت السلطات المصرية في ملاحقة الناشطين والصحفيين، حيث ألقت القبض على ندى مغيث، زوجة رسام الكاريكاتير المحتجز أشرف عمر. تم اعتقالها بعد مقابلة أجرتها مع الصحفي أحمد سراج، الذي تم احتجازه أيضًا على خلفية المقابلة نفسها.

وتعرضت ندى لمجموعة من الاتهامات الملفقة، منها الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، إلا أن النيابة أفرجت عنها بكفالة مالية. أما سراج، فلا يزال قيد الاحتجاز، متهمًا بدعم الجماعات الإرهابية من خلال موقع “ذات مصر”.

لم تكن ندى مغيث وحدها ضحية هذا التصعيد القمعي، فقد اعتقلت السلطات المصرية المؤثر على منصات التواصل الاجتماعي محمد علام، المعروف باسم ريفالدو، بعدما نشر مقاطع فيديو تنتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتعد هذه الخطوة مثالًا آخر على محاولات النظام إسكات أي صوت ينتقد سياساته من خلال ملاحقة الشخصيات العامة والمؤثرين.

منظمة العفو الدولية أدانت هذه الممارسات وحذرت من استغلال القضاء في قمع المعارضين وإسكات الأصوات المعارضة. وجددت دعواتها للإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفيًا وإيقاف ملاحقات النشطاء السياسيين والصحفيين. كما أعربت عن قلقها الشديد من التدهور المستمر في أوضاع حقوق الإنسان بمصر، خصوصًا مع اقتراب الاستعراض الدوري الشامل للأمم المتحدة لملف حقوق الإنسان المصري.

تزامنت هذه الأحداث مع تقديم الحكومة المصرية والمنظمات الحقوقية تقاريرهما لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقد تناولت هذه التقارير الوضع الحالي بالمقارنة مع التوصيات التي قبلتها الحكومة المصرية في الاستعراض السابق عام 2019. ورغم وعود الحكومة بتحسين الأوضاع، إلا أن الواقع يعكس تصعيدًا غير مسبوق في القمع والملاحقات السياسية، مما يضع مصر في مواجهة انتقادات دولية متزايدة بشأن التزامها بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

يعبر الكثيرون عن استيائهم من عدم استجابة السلطات المصرية للدعوات المتكررة لوقف هذه الانتهاكات. ويرى المراقبون أن الحكومة تواصل تكثيف عمليات الاعتقال والتضييق على الحريات، متجاهلة التحذيرات الأممية والضغوط الدولية. ولم تعد الانتهاكات تقتصر على فئة محددة، بل أصبحت تطال الصحفيين والنشطاء والسياسيين وحتى المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة شاملة لقمع أي صوت يعبر عن المعارضة.

تمكنت السلطات المصرية من خلق حالة من الخوف والترهيب بين المواطنين من خلال استخدام القضاء كأداة لترهيب وإسكات المعارضين. وبدا واضحًا أن الهدف الأساسي ليس مجرد الحفاظ على الأمن القومي كما تدعي الحكومة، بل السيطرة على المشهد السياسي والإعلامي في البلاد ومنع أي محاولة للنقد أو المعارضة.

لم يكن ملف حقوق الإنسان في مصر يومًا بهذا القدر من السوء كما هو الآن. تستمر السلطات في استهداف المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي تشهد فيه السجون المصرية تدهورًا خطيرًا في الأوضاع الإنسانية. ويأتي ذلك وسط تجاهل متعمد من قبل السلطات لأي مطالبات دولية بتحسين الأوضاع وإطلاق سراح المعتقلين.

يتوقع المراقبون أن يشهد الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مصر انتقادات شديدة من قبل الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان. إلا أن السؤال الأهم هو ما إذا كانت الحكومة المصرية ستستجيب لهذه الانتقادات، أم أنها ستستمر في تجاهلها كما فعلت في الاستعراضات السابقة.

في ظل هذه الأوضاع، بات من الواضح أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات أقوى وأكثر تأثيرًا لإلزام السلطات المصرية بوقف انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان. ولا يمكن الاكتفاء بمجرد الانتقادات الدبلوماسية، بل يجب فرض عقوبات صارمة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى