بينما يتردد في الأفق حديث المؤامرات ودعوات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج، شهدنا مشهداً مهيباً مع عودة آلاف المهجرين من جنوب القطاع إلى شماله، وكأننا في يوم الحشر. هذه العودة، التي بدت وكأنها رحلة النجاة من قسوة التهجير والدمار، تحمل في طياتها رسائل عميقة ودلالات استراتيجية تُظهر صلابة هذا الشعب العظيم وإصراره على البقاء في أرضه، مهما بلغت التحديات.
المشهد لم يكن مجرد عودة عادية إلى الشمال، بل كان مشهداً تاريخياً أشبه بمسيرة الأمل والتحدي، حيث احتشدت العائلات بأطفالها ونسائها وشيوخها في طريق العودة إلى مناطق دمّرها الاحتلال وجعلها أثراً بعد عين. هذه العودة ليست مجرد حركة جغرافية، بل تعبير عن إرادة لا تُقهر ورسالة واضحة للعدو والعالم: أن الشعب الفلسطيني، مهما اشتدت محنته، لا يمكن اقتلاعه من جذوره.
دلالات العودة
1. رسالة تحدٍّ للاحتلال
المحتل الإسرائيلي راهن على كسر إرادة الفلسطينيين من خلال التهجير القسري والقصف الوحشي، لكنه فوجئ بشعبٍ يعود إلى الأرض التي دمرها العدو. عودة المهجرين رسالة واضحة بأن الفلسطينيين يرون أرضهم جزءاً من هويتهم، ولن يتخلوا عنها مهما كلف الأمر.
2. مشهد الوحدة والصمود
العودة الجماعية جسّدت صورة الوحدة الفلسطينية في أبهى معانيها. هذا الشعب، الذي يتعرض لأبشع أشكال التصفية والاضطهاد، عاد متحداً ليؤكد أن المصير واحد، وأن الصمود هو السبيل الوحيد لتحقيق النصر.
3. إفشال مشاريع التهجير
دعوات تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، التي تتردد في بعض المحافل الدولية، تُقابَل اليوم برفض شعبي عملي. العودة إلى الشمال تُظهر أن الفلسطينيين مستعدون لتحمّل المعاناة والصبر على الجراح بدلاً من ترك أرضهم للاحتلال أو الاستجابة لضغوط التهجير.
4. إعادة تعريف النصر
النصر في القضية الفلسطينية لا يُقاس فقط بالمواجهات العسكرية، بل بصمود الشعب في أرضه وتمسكه بحقه. عودة المهجرين إلى الشمال، رغم ظروف الحرب، تُثبت أن الفلسطينيين قادرون على إعادة بناء حياتهم فوق الركام، وتحويل الألم إلى طاقة للاستمرار والنضال.
رسائل إلى العالم
1. الشعب الفلسطيني أكبر من المؤامرات
كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، سواء بالحصار أو التهجير، تفشل أمام عزيمة هذا الشعب. الرسالة واضحة: الفلسطينيون لا يراهنون على أحد، بل على صمودهم وتضحياتهم.
2. الإنسانية أمام اختبار أخلاقي
المشهد المهيب لعودة المهجرين يُلقي الضوء على معاناة الفلسطينيين، ويدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته الأخلاقية في حماية الشعب الفلسطيني، بدلًا من الاكتفاء بالمواقف الباردة والتواطؤ مع الاحتلال.
3. القدس وفلسطين ليستا للبيع:
هذه العودة هي تأكيد أن محاولات فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين لن تنجح. الشعب الفلسطيني لا يساوم على حقوقه، والعودة إلى الشمال هي تمهيد للعودة الكبرى إلى كل فلسطين.
ختاماً:
عودة المهجرين من جنوب قطاع غزة إلى شماله ليست مجرد حدث عابر، بل هي علامة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني. هذا الشعب، الذي عانى الاحتلال والتهجير، يُثبت مرة أخرى أنه لا ينكسر، وأنه قادر على الوقوف في وجه أعتى المؤامرات. إنها رسالة للعالم بأسره: فلسطين ليست مجرد أرض، بل قضية أمة بأكملها، وشعبها صامد حتى التحرير.
إنه لجهاد، نصر أو استشهاد.
بقلم إسلام الغمري
نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية