تتنفس الأرض بالتاريخ الثوري وتختنق بالاختبار السلمي
هي تلك الأرض التي تحمل في طياتها عبق التاريخ وإرث الأنبياء، هي أرض الصمود التي ما زالت تتنفس الثورة والأمل، هي وطن يتردد في أفقه صوت المآذن ممزوجًا بصدى أجراس الكنائس، ليرسم لوحة وطنية متفردة، جمعت بين الماضي العريق والطموحات المستقبلية، ولكنها وقفت عند منعطف خطير بين إرادة التغيير الشعبي وأطماع مقاومي التغيير والمستفيدين من الفساد .
كانت ثورة 25 يناير لحظة استثنائية في تاريخ مصر، إذ خرج الملايين إلى الشوارع في مشهد يجسد وحدة الشعب بمختلف أطيافه، رافعين مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، تلك المطالب التي عبرت عن إرادة شعب أنهكه القمع والفساد، لكنها واجهت منذ البداية مقاومة شرسة من قوى معادية للتغيير.
عملت تلك القوى على محاصرة الحلم الثوري من خلال تشويه المطالب الشعبية وتفكيك الحراك السلمي، حتى جاء الانقلاب العسكري في 2013 ليشكل نقطة تحول خطيرة، حيث تحولت الثورة من منارة للتغيير إلى معركة مع الميراث العسكري الذي استهدف اجتثاثها من جذورها، مع إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات لقمع الشعب، واعتقال وطن.
مصر الثورة… والثروة وطن بين الإهمال والاستنزاف
الثروة الوطنية، التي تمثل شريان الحياة لمصر، لم تكن بمنأى عن التحديات، فنهر النيل الذي طالما كان مصدر العطاء تعرض لخطر الإهمال والتحديات الخارجية، والتنازل للدولة الإثيوبية ، بينما الأراضي الزراعية تحولت بفعل السياسات الخاطئة إلى غابات إسمنتية، ما بين جسور وكباري إلى عاصمة ادارية ومباني خاوية ، ما زاد من الأعباء الاقتصادية على الشعب المأزوم.
السياسات الاقتصادية التي فشلت في تحقيق التنمية الحقيقية دفعت مصر إلى تصاعد الدين الخارجي بشكل غير مسبوق، بينما هيمنت المصالح الأجنبية على قطاعات حيوية، مما جعل الثروات الوطنية أداة في يد القلة بدلًا من أن تكون محركًا للتقدم والتنمية، فمن بيع تيران وصنافير إلى مصادرة أراضي المواطنين ، وبيع الأراضي والمطارات للمستثمر الأجنبي ، حيث يكون القطع الممنهج الشرايين الوطنية من معابر ومنافذ وموانيء .
مؤسسات بين القمع وفرصة الإصلاح
على الرغم من أن الثورة كانت تسعى لإصلاح مؤسسات الدولة، إلا أن هذه المؤسسات تحولت إلى أدوات للقمع، حيث تم استغلالها لتقييد الحريات وتضييق المجال العام، مع انتشار الاعتقالات التعسفية وتدوير القضايا كوسيلة لإسكات المعارضة، الأمر الذي خلق فجوة عميقة بين الشعب والدولة.
لكن، لا يزال الأمل قائمًا في أن تستعيد هذه المؤسسات دورها الحقيقي في خدمة الشعب، فالإصلاح المؤسسي القائم على الشفافية والكفاءة يمكن أن يعيد للدولة هيبتها ويجدد ثقة المواطن فيها، بثورة تغيير وتصحيح وتطوير.
مصر… أرض الحضارات
مصر وطنًا للثورة، ومهدا للحضارات ، هي الأرض التي ذكرها الله في كتابه الكريم، والتي كانتأرضًا جمعت بين قادة التاريخ وعلماء الأمة، فلا يمكن الحديث عن الحضارة الإسلامية دون ذكر الأزهر الشريف الذي ظل منارة للعلم والعلماء عبر العصور.
هذه الأرض المباركة تمتلك من المقومات الحضارية والبشرية ما يمكنها من تجاوز الأزمات، فالشعب المصري أثبت مرارًا وتكرارًا أنه قادر على الصمود والتغلب على التحديات منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحاضر ، ومستقبلنا بالتأكيد.
مصر بين الثورة والطوفان… أمل في مستقبل مشرق
استعادة روح ثورة 25 يناير تتطلب إرادة شعبية قوية ووعيًا جماعيًا يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن، البداية تكمن في تحرير البلاد والعباد، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووضع رؤية تنموية شاملة تستثمر في الموارد البشرية والطبيعية لتحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية
مصر قادرة على النهوض مجددًا إذا توحدت إرادة شعبها وتوافرت قيادة سياسية مدنية واعية تسعى لتحقيق مصالح الشعب والأمة، لأن تجاوز الأزمات يتطلب شجاعة وإصرارًا، وفتح آفاق جديدة لبناء مصر الديقراطية .
في كلمات … الثورة أمانة والثروة وطن
لذا فالتغيير الثوري السلمي والإصلاحي هو مشروع طويل الأمد لإعادة بناء وطن يستحقه الجميع؛ فالوطن في ذاته ثروة بما يملكة من رجال ونساء وشباب وشابات وأطفال ، والثورة أمانة يجب أن تتنطلق وتُدار بحكمة وعدل؛
فالعلاقة بين تصحيح ما فات هي انطلاقة إلى ما هو آت ، بعلاقة تكاملية تحمي الأولى الثانية الثورة الثروة من الاستبداد والتبديد و الإهدار، وتمنح الثروة للثورة قوة الدفع اللازمة لتحقيق التغيير نحو عيش وحرية وعدالة إجتماعية وكرامة إنسانية ومكانة دولية .
ويظل السؤال قائمًا : هل يستطيع المصريون استعادة المسار الثوري وتحقيق أهداف يناير؟ الإجابة ليست فقط في ماضي الثورة، بل في حاضر الشعب الذي يحمل بداخله طاقة التغيير وعزيمة التجديد والبناء، ليبقى الأمل دائمًا في وطن يحتضن أحلام أبنائه ويحقق طموحاتهم بسواعدهم ووعيهم وإصرارهم؟
كيف يمكن للشعب المصري تحويل هذه الذكرى إلى قوة دافعة تُحقق التغيير الحقيقي وتحمي ثروات الوطن من الضياع؟ الإجابة تبدأ بالوعي وتنطلق بالإرادة الجماعية، وتدرك توقيت التغيير ، لتعود مصر وطن للأمة … بقرار شعب !