صرح وزير المالية المصري أحمد كجوك بأن مبادلة الديون بالأصول والاستثمارات تعد واحدة من الآليات المستخدمة لخفض الدين الخارجي، مشيرا إلى أن صفقة “رأس الحكمة” من أفضل الصفقات لتحويل الديون إلى استثمارات.
وجاء رد بعض الخبراء على تلك التصريحات كالآتي:
الواقع يخبرنا أن هذا النهج ليس سوى بيع للأصول الوطنية تحت مظلة الاستثمار، مما يهدد السيادة الاقتصادية ويكرس التبعية للمؤسسات الدائنة.
تحويل الديون إلى استثمارات لا يعالج جذور أزمة الديون، بل يخلق مشكلات أكثر تعقيدا. فالأصول السيادية التي تعد ملكا للأجيال القادمة تصبح تحت سيطرة أطراف خارجية، دون أي ضمان لاستفادة الشعب منها على المدى الطويل.
وتجربة اليونان تعد مثالا واضحا، حيث اضطرت الحكومة خلال أزمتها الاقتصادية لبيع موانئ وأصول استراتيجية، مثل ميناء (بيباريوس)
الذي انتقل إلى السيطرة الصينية. النتيجة؟
فقدان السيطرة الوطنية على أصول استراتيجية دون تحسين جوهري في وضعها الاقتصادي.
تجربة أخرى يمكن استحضارها هي الأرجنتين، التي اعتمدت في أزمات ديونها على خصخصة أصول حكومية رئيسية مثل شركات المياه والكهرباء. هذه السياسات لم تخفض الديون بشكل فعال، بل زادت الأعباء على المواطنين مع ارتفاع أسعار الخدمات بسبب تحكم القطاع الخاص بها.
أما صفقة رأس الحكمة التي وصفها الوزير بأنها من “أفضل الصفقات”، فالسؤال الأهم هو: على أي أساس تم تقييمها؟ وهل تم تقدير القيمة الحقيقية للأصول المتنازل عنها؟ في ظل غياب الشفافية الكاملة حول شروط هذه الصفقات، فإن الحديث عن “استثمار” يبدو غامضا، بل ومثيرا للقلق، خاصة أن الصفقات المماثلة غالبا ما تفضي إلى استنزاف الموارد الوطنية لصالح الأطراف الدائنة. تجربة زامبيا تبرز خطر هذا النهج، حيث فقدت السيطرة على شركة الكهرباء الوطنية بسبب اعتمادها على مبادلة الديون بالأصول، ما أدى إلى زيادة التبعية للمؤسسات الدولية الممولة.
الأزمة الحقيقية للدين الخارجي تكمن في الأسباب الهيكلية التي تفاقم من حجمه، مثل:
▪️عجز الميزان التجاري: الاعتماد الكبير على الاستيراد بدلا من تعزيز الإنتاج المحلي والصادرات يجعل الدولة في حاجة مستمرة للاقتراض.
▪️ضعف السياسات الإنتاجية: غياب استراتيجيات صناعية وزراعية واضحة يجعل الاقتصاد المصري غير قادر على توليد قيمة مضافة.
▪️غياب الشفافية في إدارة الدين: كثير من الاتفاقيات تعقد دون رقابة برلمانية أو شعبية، مما يفاقم من الشكوك حول جدواها.
بدلا من اللجوء إلى حلول قصيرة الأمد مثل مبادلة الديون بالأصول، يجب العمل على سياسات تنموية حقيقية تشمل:
▪️تحفيز الإنتاج المحلي: كما فعلت كوريا الجنوبية في أزمتها الاقتصادية بتطوير استراتيجيات صناعية لتعزيز الصادرات بدلا من بيع أصولها.
▪️إعادة التفاوض على الديون: مثل ما فعلت إندونيسيا عندما أعادت هيكلة ديونها مع المؤسسات الدولية بشروط أفضل، دون التفريط في أصولها السيادية.
▪️إصلاح منظومة الضرائب: توسيع القاعدة الضريبية لتحصيل موارد إضافية دون زيادة الأعباء على الفقراء.
▪️تعزيز الشفافية والمساءلة: لضمان أن أي اتفاقيات مالية تصب في مصلحة الشعب المصري، وليس على حسابه.
السياسات التي تعتمد على بيع الأصول الوطنية ليست سوى تأجيل للأزمة ونقل عبئها إلى المستقبل، على حساب حقوق الأجيال القادمة. مصر بحاجة إلى سياسات تنموية مستدامة تعالج جذور الأزمات الاقتصادية، بدلا من اللجوء إلى حلول تضعف من سيادتها وتكرس تبعيتها الاقتصادية للخارج.