مصر

القمع العابر للحدود: تهديد للنظام الدولي وحقوق الإنسان


إعداد: منظمة مجموعات التحفيز

في العقود الأخيرة، برزت ظاهرة القمع العابر للحدود كإحدى أخطر الممارسات التي تُهدد النظام الدولي وحقوق الإنسان. يتمثل هذا السلوك في تعاون دول، سواء عبر ترتيبات رسمية أو غير رسمية، لاستهداف أفراد أو مجموعات سياسية أو حقوقية خارج حدودها. هذا النوع من القمع لا يشكل فقط انتهاكًا للحقوق الأساسية للأفراد، بل يقوض أيضًا أسس السيادة الوطنية والقانون الدولي، والتصدي له يجب أن يكون أولوية عالمية لدعم التضامن الإنساني الحقيقي بعيدا عن الشعارات الجوفاء.

في هذا السياق، يشير الباحث ريبيكا كورديل  في دراسته “القمع العابر للحدود: التعاون الدولي في إسكات المعارضة” إلى أن “التعاون الدولي في القمع العابر للحدود يعتمد على سيادة القانون في الدولة المستضيفة والعلاقات الاقتصادية مع الدولة الأصلية”. وبالطبع يؤدي ذلك إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ما يستدعي اهتمامًا دوليًا متزايدًا.

تضيف الدراسة أن الدول القمعية غالبًا ما تستغل العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية للضغط على دول أخرى من أجل تنفيذ عمليات الترحيل أو التضييق على معارضيها. ويظهر هذا بوضوح في حالات التعاون الأمني بين بعض الدول الشرق أوسطية، حيث يتم تسليم معارضين دون مراعاة لحقوقهم القانونية أو الإنسانية.

كما تشير الدراسة إلى أن هذه الممارسات تعتمد على استراتيجيات متعددة تشمل: المراقبة والترهيب واستغلال القوانين المحلية للدول المستضيفة. ومن بين أبرز الأمثلة التي تسلط الدراسة الضوء عليها، قضية الناشطين السياسيين الذين يُستهدفوا من خلال إلغاء إقاماتهم أو منعهم من العمل، مما يشكل ضغطًا نفسيًا وماديًا كبيرًا عليهم.

أيضا تُبرز دراسة نشرتها مجلة “International Studies Quarterly” أن “التعاون في القمع العابر للحدود يُظهر كيف تتعمد الدول استهداف مواطنيها في الخارج وانتهاك حقوقهم الإنسانية خارج حدودها الإقليمية”. تُسلط هذه الدراسة الضوء على خطورة هذه الممارسات وضرورة معالجتها على المستوى الدولي.

من جانب آخر، يُشير تقرير لمجلس أوروبا إلى أن “أعمال القمع العابر للحدود تشكل انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”. يُؤكد هذا التقرير على الحاجة الملحة لمواجهة هذه الانتهاكات من خلال آليات قانونية فعّالة.

أبعاد القمع العابر للحدود: استهداف منهجي يتجاوز الجغرافيا

تتنوع أشكال القمع العابر للحدود بين الترحيل القسري، والاغتيالات، والمضايقات القانونية، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة. على سبيل المثال أثار تسليم الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي من لبنان إلى الإمارات العربية المتحدة في يناير 2025 جدلاً واسعًا، حيث يشير هذا الإجراء إلى تواطؤ جهات متعددة لتحقيق غايات خاصة حتى لو خالف ذلك القانون والسيادة وحقوق الإنسان.

في حادثة أخرى أكثر مأساوية، شهد العالم مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، ما عكس مدى وحشية بعض الأنظمة في إسكات المعارضين حتى خارج حدودها.

لا تقتصر هذه الممارسات على الشرق الأوسط، ففي آسيا أيضا استُهدفت جماعات الإيغور المسلمة بتواطؤ بين دول الجوار والصين، حيث قامت هذه الدول بترحيل أفراد من هذه الجماعات إلى الصين رغم المخاطر المؤكدة التي يواجهونها. وفي أوروبا ظهرت حالات ترهيب، استهدفت معارضين روسا يعيشون في المنفى، كما حدث مع ألكسندر ليتفينينكو الذي قُتل بالسم في بريطانيا عام 2006.

مواقف دولية متباينة: بين الانتهاك والحماية

بينما تتورط دول في ممارسات القمع العابر للحدود، تقدم دول أخرى نماذج في حماية الأفراد من هذه الانتهاكات. على سبيل المثال، ترفض ألمانيا طلبات تسليم نشطاء سياسيين إلى دولهم الأصلية، بسبب المخاطر التي قد يتعرضون لها، بما في ذلك التعذيب والمحاكمات الجائرة. لم تكتفِ ألمانيا بذلك، بل منحت حق اللجوء لعدد كبير من الأفراد الذين فرّوا من أنظمة قمعية وتمنحهم حقهم الإنساني في الحقوق الأساسية، من هؤلاء لاجئون هربوا من ممارسات التعذيب والاضطهاد السياسي في دول مثل سوريا أو إيران وغير ذلك.

كندا أيضًا تُعدّ نموذجًا آخر، حيث استقبلت العديد من النشطاء والصحفيين المهددين في بلدانهم الأصلية. من بين الأمثلة البارزة، استقبال كندا زوجة الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد مقتله. وأظهرت كندا من خلال هذا الموقف التزاما بحماية حقوق الإنسان، ورفضها الانصياع لضغوط الدول القمعية.

وسائل التواصل الاجتماعي: أداة للفضح والمساءلة

مع تصاعد ظاهرة القمع العابر للحدود، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في كشف هذه الانتهاكات. من خلال المنصات الرقمية، أصبح تسليط الضوء على ممارسات القمع ونشر تفاصيلها على نطاق عالمي ممكنا. على سبيل المثال، أسهمت مقاطع الفيديو والتقارير التي انتشرت على وسائل التواصل في فضح تفاصيل مقتل خاشقجي، ما أدى إلى تصعيد الضغوط الدولية على المتورطين. هذه الوسائل لم تُظهر فقط تفاصيل الانتهاكات، بل حفزت أيضًا على اتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية ضد الأطراف المتورطة.

التداعيات السلبية على النظام الدولي

لا تقتصر آثار القمع العابر للحدود على الأفراد المستهدفين فحسب، بل تمتد إلى النظام الدولي برمته. عندما تتجاهل الدول مبادئ القانون الدولي وأسس حقوق الإنسان، فإن ذلك يؤدي إلى تقويض الثقة في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. ويخلق ذلك القمع مناخًا من السخط وعدم الثقة وتزايد الحاجة لصور جديدة من الإصلاح ودعم التضامن الإنساني وحماية حقوق الإنسان.

خاتمة: نحو تعزيز العدالة وحماية الحقوق

القمع العابر للحدود يشكل تهديدًا جديًا للقيم الإنسانية. للتصدي لهذه الظاهرة، يتعين على المجتمع الدولي تبني استراتيجيات شاملة تتضمن تعزيزا حقيقيا جادا للتعاون بين الدول لاحترام مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، وتفعيل آليات المحاسبة القانونية للمخالفين. كما يجب على الدول الديمقراطية أن تكون قدوة في حماية الأفراد الذين يتعرضون للقمع، وتوفير ملاذ آمن لهم.

في ظل تزايد الترابط العالمي، أضحى من الضروري أن تتكاتف الجهود لمواجهة هذه الممارسات. فاحترام حقوق الإنسان الأساسية والتضامن الإنساني ليس خيارًا بل ضرورة لضمان عالم أكثر عدلاً وإنسانية، يكون لكل فرد فيه الحق في التعبير عن آرائه دون خوف أو اضطهاد.

المصدر https://stimulusgroups.org/

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى