مقالات ورأى

أحمد عبدالمتجلي يكتب: متى نتساوى بالقـطط ؟!

 طالعت – باهتمام – الخبر الذي تم نشره علي موقع “أخبار الغد” تحت عنوان “انتصار موقع “أخبار الغد” في حملته ضد فساد قصور الثقافة يكشف مستنقع الفساد”، بخصوص عدم التعامل مع الصحافة ووسائل الإعلام،

ومع كامل احترامي و تقديري لـ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكافة قيادات الهيئة، فإن الدستور و القانون، وما تواترت عليه الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، و محكمة النقض؛ يخالف ما جاء في هذا (التوجيه العام).

فقد جاء في مقدمة الدستور المصري الصادر عام 2014: ” نكتب دستورا نغلق به الباب أمام أي فساد و أي استبداد، و نعالج فيه جراح الماضي من زمن الفلاح الفصيح القديم، و حتى ضحايا الإهمال.. و نرفع الظلم عن شعبنا الذى عانى طويلا، و تعرضت بعض فئاته لمظالم عديدة“.

و أكدت المادة 68 من الدستور على أن : ” المعلومات و البيانات و الاحصاءات و الوثائق الرسمية ملك للشعب، و الافصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل المواطنين، و تلتزم الدولة بتوفيرها و إتاحتها للمواطنين بشفافية.. كما يحدد القانون عقوبة حجب المعلومات..”.

اما المادة 65 من الدستور فأكدت على أن : ” حرية الفكر، و الرأي مكفولة. و لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير و النشر.”.

وجاء في المادة 70 : ” حرية الصحافة و الطباعة و النشر الورقي و المرئي و المسموع و الإلكتروني مكفولة..”.، و نصت المادة 71 على أنه : ” يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف و وسائل الاعلام المصرية..”

و في إفصاح جهير واضح المعنى قضت محكمة النقض بأن: “انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقاً مكفولاً لكل مواطن وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول – كأصل عام – دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي وليس مقصوداً بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته،

ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة وعبر الحدود المختلفة وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها أو تتصادم في جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جلياً من خلال مقابلتها ببعض وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو صائباً منطوياً على مخاطر واضحة أو محققاً لمصلحة مبتغاة .. فلا يجوز أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل في أداء واجباتها سواء في وقت شغلها أو كانت عن عمل متعلق بها يقتضي الحال إبرازه،

فمن الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ومن ثم كان منطقياً بل وأمراً محتوماً أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة ولو تضمن انتقاداً حاداً للقائمين

بالعمل العام، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان – معززاً – بالقانون ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ولحرية الإبداع وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة في قمعها ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره وعلى ذلك فإن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعاً بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء“. (الطعن رقم 36 لسنة 73 بتاريخ :2005/05/08)

أما المحكمة الدستورية العليا فأكد قضائها على أنه : ” قد كفل الدستور للصحافة حريتها.. بما يحول كأصل عام دون التدخل في شؤنها، او إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها في بناء مجتمعها و تطويره، متوخيا دوما أن يكرس بها قيمة جوهرية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلا عن القهر و التسلط، و نافذة لإطلال المواطنين على الحقائق .. و مدخلا لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها ..

بل إن الصحافة تكفل للمواطن دورا فاعلا، و على الأخص من خلال الفرص التي تتيحها معبرا بواسطتها عن تلك الآراء التي يؤمن بها، و يحقق بها تكامل شخصيته، فلا يكون سلبيا منكفئا وراء جدران مغلقة، او مطاردا بالفزع من بأس السلطة و عدوانيتها، بل واثقا من قدرته على مواجهتها، فلا تكون علاقتها به انحرافا، بل اعتدالا، و إلا ارتد بطشها عليها، و كان مؤذنا بأفولها.

و حيث أن الدستور – توكيدا لحرية الصحافة التي كفل ممارستها بكل الوسائل – أطلق قدراتها في مجال التعبير- ليظل عطاؤها متدفقا تتصل روافده دون انقطاع”. ( حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية).

إن القانون ليس مجرد أداة لعمل الدولة، و لكنه أيضا الضمان الذى يكفل حقوق الأفراد في مواجهة الدولة. و الواقع أنه في الدولة القانونية يسمو القانون على الدولة، فتلتزم بضمان الحقوق و الحريات للأفراد في مواجهة سلطاتها.

أما الزج بألفاظ ضخمة من قبيل ” النيل من الأمن القومي”، فهو ما لا ينطلي على أحد، فالهيئة العامة لقصور الثقافة مرفق يقدم خدمات ثقافية علنية أمام الشعب، و ليست من الهيئات التابعة لوزارة الدفاع، و مستنداتها لا تقترب من قريب و لا من بعيد من ” النيل من الأمن القومي” !!

 إن مدونة سلوك و أخلاقيات الوظيفة العامة الصادرة عام 2019، والتى تضعها الهيئة العامة لقصور الثقافة على موقعها الرسمي

نصت” المادة الأولى من القسم الأول: تعهدات عامة من الجهاز الإداري للدولة، على: احترام القانون و حقوق الإنسان، و نص البند الثالث على الاتاحة المعلوماتية .. “، و نص البند الثاني من ” القسم الثاني: إلتزامات جهة العمل تجاه الموظف على : تهيئة ظروف عمل امنة و عادلة للموظفين ..”.

 هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية العملية، فإنني أؤكد للسيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة أنه لا ملجأ للكثير من العاملين بالهيئة – خاصة بفروع الصعيد – إلا اللجوء إلى الصحافة،

و والمواقع الالكترونية، و منها (أخبار الغد)- وكاتب هذه السطور يستند لخبرته العملية كمحام بالهيئة لنحو خمسة عشر عاما؛ إذ نخر الفساد الإداري و المالي ببعض الإدارات المنوط بها تكريس العدالة، و إحقاق الحق.

وبقراءة نتيجة التفتيش الفني المفاجئ على الإدارة القانونية بأسيوط، وهو التفتيش المفاجئ الذى أجراه عدد من مستشاري وزارة العدل استمر لثلاثة أيام، و الذى وافق علي نتيجته المستشار مساعد وزير العدل لشؤون الإدارات القانونية، نقرأ الاتي:

” أسفر التفتيش على سير العمل بإدارة الشؤون القانونية بهيئة قصور الثقافة بأسيوط عما يلى:

  1. إن العمل بالشؤون القانونية يسير بطريقة غير منتظمة.
  2. إن حجم العمل لا يتناسب مع عدد أعضاء الإدارة القانونية
  3. إن تصرفات الأعضاء و علاقتهم ببعض غير طبيعية و تتسم بالخلافات و المشاكل فيما بينهم.
  4. إن حسن أداء عمل الإدارة يتطلب قيام السيد مدير الإدارة القانونية بإحكام السيطرة على الإدارة والوقوف على كل كبيرة وصغيرة و ما يصدر فيها من أحكام و متابعة جميع الأعمال القضائية،و إعداد تقرير سنوي يتضمن ملاحظاته على سير العمل بالإدارة القانونية”.

هذا، فضلا عن حصول مدير الإدارة القانونية بأسيوط على تقدير كفاية بدرجة متوسط – من وزارة العدل- نفاذا للقرار رقم 2 لسنة 2019، و رفض تظلمه المقدم للمستشار مساعد وزير العدل لشؤون الإدارات القانونية، بالإضافة إلى حصوله على عدة جزاءات من إدارة التفتيش الفني بوزارة العدل، منها جزاء التنبيه في الشكوى رقم 397/2022 بشأن تمزيق مذكرات تصرف بعد توقيع السيد رئيس الإدارة المركزية للإقليم عليها!!.

و إعمالا للقاعدة الفقهية التي تقول ” إن الرجوع للحق، خير من التمادي في الباطل”؛ فإنني أناشد السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة – بما عرف عنه من فكر و ثقافة- إلغاء هذا المنشور.

و يحضرني هنا الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها الدكتورة إيناس عبد الدايم – وزيرة الثقافة (الأسبق)، عندما تناولت الصحف و وسائل الإعلام واقعة التعامل اللاإنساني مع القطط في دار الأوبرا،

حيث قررت تحويل المسؤولين عن قتل القطط بدار الأوبرا إلى التحقيق بشكل عاجل ، و شفاف، و شددت على ” متابعة نتيجة التحقيقات أولا بأول”!!،

و شددت – أيضا – على التزام هيئات و قطاعات وزارة الثقافة بمبادئ الرفق بالحيوان و المواثيق و الأعراف الدولية في هذا الشأن!! مؤكدة أن من سيثبت تورطه سوف ينال العقاب، و سيتم محاسبته”.

و السؤال الهام الذى يطرح نفسه: متى نتساوى بالقطط ؟!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى