مصرمقالات ورأى

نادر فتوح يكتب: الأسئلة الحائرة بعد وقف النار.. ماذا تحقق للمقاومة؟

أُعلن وقف الحرب على غزة بعد أيام طويلة من العدوان الإسرائيلي الذي خلّف آلاف الشهداء والجرحى، ودمّر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وحوّل الأحياء إلى أنقاض. وبينما يسود الصمت الثقيل فوق الدمار، تعلو الأصوات بسؤال يقرع الآذان: هل انتصرت المقاومة؟ وهل إعلان وقف إطلاق النار بعد كل تلك المآسي يستحق الفرح؟

للإجابة على هذه التساؤلات، يجب أن نستذكر الأحداث ونؤكد أننا اليوم نقف أمام مشهد تاريخي يحمل في طياته المآسي والانتصارات، الأفراح والآلام. فالمعركة الأخيرة لم تكن مجرد جولة قتال؛ بل كانت فصلًا جديدًا من الصراع الطويل الذي بدأ منذ أكثر من سبعين عامًا.

رغم جراحات غزة المفتوحة، يجب أن نبارك ما تحقق. نعم نبارك فشل خطة التهجير إلى سيناء، إذ باءت محاولات الاحتلال لإفراغ الأرض من أصحابها بالفشل، كما أن مؤامرات عزل غزة عن باقي فلسطين بخلق منطقة عازلة قد أحبطت. حماية معبر رفح ليعود بوابة للحياة يستحق المباركة، وكذلك انسحاب الكيان من محور فيلادلفيا الذي يُعد انتصارًا للإرادة الفلسطينية التي لا تعرف الهزيمة.

الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة لم يكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كان انتصارًا للإرادة الفلسطينية، تحرير الأسرى الأبطال من السجون الإسرائيلية أعادت الحياة إلى قلوب الأمهات والآباء الذين ذاقوا مرارة الغياب، وذكّرت الاحتلال بأن الأسرى ليسوا أرقامًا، بل أبطالًا لا ينسون.

وسط هذه الانتصارات لا ننسى أدوار الأبطال الذين سطّروا التاريخ بصمودهم ودمائهم. نزف القادة الشهداء الذين لم يتركوا مواقعهم حتى اللحظات الأخيرة. القائد يحيى السنوار الذي أرعب الاحتلال برؤيته الثاقبة في حياته، وأرهبهم بعصاه لحظة استشهاده، بعد أن ظل مرابطًا في الميدان حتى الرمق الأخير. أما القائد إسماعيل هنية (أبو العبد)، فقد جسّد روح المقاومة حتى ارتقى شهيدًا في معركة كان فيها جنديًا قبل أن يكون قائدًا، وقدّم معظم أفراد أسرته فداء للقضية الفلسطينية.

قد يتساءل البعض: ما وجه الاستفادة من خسارة قادة كهنية والسنوار؟ والإجابة أصدق ما تكون في دروس التاريخ؛ فالتاريخ يؤكد أن فلسطين ولّادة، والأبطال يمضون تاركين خلفهم إرثًا من المقاومة لا يموت، من عز الدين القسام إلى يحيى السنوار وشهداء الطوفان، مرورًا بشيخ المجاهدين أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وفتحي الشقاقي ويحيى عياش وأبو علي مصطفى وصالح العاروري، وغيرهم من الشهداء الذين سطّروا بدمائهم مسيرة المقاومة.

وسؤال آخر يلوح في الأفق .. كيف نفرح والشهداء بالآلاف؟ كيف نحتفل وغزة لا تزال تحت القصف والدمار؟
وقبل الإجابة يبدو السؤال الأكثر وضوحاً هو: منذ عام 1948، هل مر يوم واحد على الشعب الفلسطيني بلا شهداء أو تضحيات؟ إذن فالإجابة هي المقاومة. لو استسلم الفلسطينيون منذ النكبة، هل كانت قضيتهم ستبقى في وجدان وضمير الأمة؟

الفرح ليس احتفالًا بالدماء، بل احتفاء بالصمود الذي يحبط مخططات المحتل. غزة ليست مدينة محاصرة فقط، بل هي رمز عالمي للمقاومة والإباء.

المقاومة لم توجد لتحقق نصرًا عسكريًا مباشرًا، بل لتحافظ على روح القضية وتكون شوكة في حلق الاحتلال. نعم، المشهد يحمل الحزن والوجع، لكن في كل شهيد يولد ألف مقاوم جديد.

اليوم، نبارك لغزة صمودها، وللمقاومة إنجازها، وللشهداء خلودهم. نقول: ربما لا تزال فلسطين تنزف، لكن النصر يبدأ بالثبات، عاشت المقاومة، وعاشت فلسطين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى