مقالات ورأى

عثمان عناد يكتب : شكراً بشار الأسد.

لا أريد أن أُُرهق أحداً ، في حال وُجد من يقرأ هذا المقال ، بأمور السياسة والمرحلة المقبلة والحوار الوطني والتحليلات والبرامج المستقبلية وغير ذلك ، فقد سبق وأن قيل كل شئ بهذا الخصوص من قبل هؤلاء الذين يعلمون، ومن قبل هؤلاء الذين أصبحوا يصطادون في الماء النقي بعد أن كانوا يصطادون في الماء العكر . رغم أن أياً منهم لم تراوده مخيلته ومخيلة مصادره الموثوقة والحصرية وغير الحصرية بأن تكون نهاية بشار الاسد قبل نهاية العام ، أو
أن السيد أحمد الشرع سيكون رجل المرحلة وبامتياز.

من الطرائف الشعبية المعروفة في سوريا ، أن سجينًا سأل مأمور السجن عن اسم كتاب ليحضره له ليقرأه، فجاءه الجواب: “الكتاب غير متوفر في المكتبة، ولكن الكاتب موجود معكم في السجن”.

إن جيل الستينات في سوريا وما دونه ، قد وعوا في كفن وليس في كنف حكم آل الاسد ، بما تعنيه كلمة كفن حرفياً ، و لا يوجد جيل على سطح الارض ، من نفس الفئة العمرية ، ينافسنا في الحصول على الميدالية الذهبية على منصة المآسي وبرقم قياسي كوني. وليكن المركز الثاني محط تنافس بين جيل كوريا وجيل إيران عن قارة أسيا ، واستسمح منهم ولهم العذر عن هذا التعبير .

لقد عاث الاسدين فسادا حتى لم يبق َ لدى السوريون ما يبتزهُ أيُ ألمٌ . لقد أجبرونا لخمسين عاماً على فعل المستحيل لهم دون أن يقدموا لنا أبسط الممكن. في اعماقنا قهراً لا لكلمات ان تنبشه . كنا نمارس ، ولمدة خمسين عاماً، العادة السرية بحرية أكثر من ممارسة الحرية ذاتها ، كما قال أحدهم .

وجاءت ليلة السابع من ديسمبر . لقد صدق من قال: إن لغز المرء ليس فيما يُقال، بل فيما لم يُقله. فسواء إن لم يجرؤ بشار الأسد على مخاطبة شعبه في أيامه الأخيرة حتى ليلة الهروب ، أم أستكثر ذلك علينا ، فستبقى تصرفاته هاجساً لعلماء النفس ، وتركيبته الطينية لغزاً لعلماء الجيولوجيا وليس البيولوجيا .

لا نعرف يا سادة ما الذي خطر ببال بشار الأسد في تلك الليلة : أراودته ضحكة فيصل القاسم الساخرة ؟ أم ربما توسلات الداهية أردوغان للقائه قبل شهر ؟ أو هو منسف أهل حوران بالبرغل وليس بالرز الذي رفضه بداية الاحداث ؟ أكاد أجزم أنه مهما خطر له ، فإنه لم يتخيل مطلقاً منظر بهجة وفرحة السوريين في ساحات سوريا لليوم التالي ، ولا داعي لذكر مشهد أحمد الشرع سيداً للقصر يستقبل ضيوف سورية بدلًا عنه ، سواءا بربطة عنق أو بدون .

أتخيل كم كان المشهد بائساً في تلك الليلة حين أدرك الرئيس السرمدي ابن الرئيس الأزلي أن الحكم قد
أُنتزع من آل الأسد ، ولم يعد يجد ذلك البائس في ذلك المساء ما يتنفس به ، فقد نفذ الهواء من قصره ومن صدره.

سيداتي سادتي: صحيح أن الذاكرة تأبى أن تنسى ما هو مؤلم ، لكن كل الأشياء الجميلة تشبهكم أيها السوريين. هكذا كان قدرنا ، و هكذا هي الأحلام تأتي على طبق من معاناة. والآن وبعد الاسد فمهما كانت الظروف صعبة وقاسية، فإنها ستبقى أفضل من أن نكون عبيدًا حتى في “جنة الحمقى”.
فلنبتعد عن المهاترات ولنبحث عن النقاء ، ولتكن العدالة بدل الانتقام، والعمل بدل الانتقاد .
الجميل أن كل الإشارات القادمة من دمشق وإلى دمشق تشير إلى أن موسم الفل والياسمين سيكون مزهراَ .

وُجد أخيرا من هو أصغر من عبدالله الصغير ، أشكر بشار الأسد على “الحسنة الوحيدة” التي تحسب له في حياته ، وأظنها ليست عن قصد : حيث أنه في مشهد الهرب الذي أختاره لنفسه ، لم يُبقِ سوريًا واحدًا على خلاف مع آخر ، بما في ذلك أفراد عائلته، تجاه شخصه المنبوذ . و أفيدوني يا سادة إن كان الشيطان يحظى بمثل هذا الاجماع ؟ لقد تفوقت النذالة على نفسها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى