تقاريرحوارات وتحقيقات

غزة في رمضان: بين التهديدات الإسرائيلية والأوضاع الاقتصادية الكارثية .. صمود في وجه المعاناة

أشار العديد من المواطنين والمختصين في قطاع غزة إلى أن شهر رمضان هذا العام لم يحمل معه الأجواء الروحانية والتجارية المعتادة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والتوترات المستمرة بسبب التهديدات الإسرائيلية باستئناف العمليات العسكرية.

ورغم دخول شهر رمضان يومه الخامس، لم يشعر المواطنون بأي فرق يذكر عن الأيام العادية، حيث غابت مظاهر الاحتفال وتراجعت القدرة الشرائية بشكل ملحوظ.

موقع “أخبار الغد“، يعرض آراء مواطنين ومختصين حول واقع غزة في هذا الشهر الكريم، وسط ظروف شائكة وكارثية، وكيف يعيش الناس رمضان في ظل الفقر، الدمار، والتهديدات المستمرة.

الأجواء الرمضانية غائبة

أوضح سامي الحميدي، وهو صاحب محل تجاري في غزة، أن الأجواء الرمضانية التي اعتادوا عليها غابت بشكل ملحوظ هذا العام، قائلاً: “في السنوات السابقة، كانت الأجواء في رمضان مختلفة تماماً؛ الناس تزيّن الشوارع بالفوانيس، وكانت المبيعات تتضاعف، ولكن الآن الأمور مختلفة.

الحرب دمّرت مئات المحال التجارية، والناس بالكاد تستطيع شراء احتياجاتها الأساسية، فما بالك بشراء زينة رمضان؟ الأجواء كانت أفضل بكثير في الماضي، أما الآن، فأصبحنا نعيش في حالة من الحزن والقلق.”

من جهة أخرى، أكد ماهر أبو زيد، أحد الباعة في سوق شعبي، أن الأطفال الذين كانوا يملؤون الشوارع فرحاً بالفوانيس أصبحوا يأتون فقط لمشاهدتها دون قدرة على شرائها.

وأضاف: “أحياناً يأتي الأطفال فقط للنظر إلى الفوانيس بأعينهم، يتشوقون لشرائها لكن لا يملكون المال. لم يعد هناك بيع كما كان في السابق، حتى البضائع التي لدينا أصبحت قديمة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول السلع إلى القطاع.”

الأزمة الاقتصادية تهدد رمضان

وفي حديث آخر، أشار علي المصري، وهو اقتصادي من غزة، إلى أن الأوضاع الاقتصادية المزرية جعلت من رمضان هذا العام تحدياً كبيراً للمواطنين.

وقال: “المواطنون يعانون بشدة من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، ورغم عدم ارتفاع الأسعار بشكل كبير في رمضان مقارنة بالسابق، إلا أن الناس لا تملكون المال لشراء حتى الأشياء الأساسية.

كثيرون يشترون ما قيمته ثلاثة شواقل فقط، وهذا غير ممكن مع غلاء الأسعار. الفقر بات السمة البارزة لهذا العام، والناس أصبحت تبحث عن الكماليات التي كانت ترافق الشهر الفضيل.”

أما حنان عبد الله، وهي ربة منزل، فقد وصفت الوضع بأنه “كارثي”، موضحة: “كنا في الماضي نستطيع تحضير موائد رمضان بأشهى الأطعمة، أما الآن، فالأمر أصبح صعباً للغاية.

الأسعار ارتفعت والظروف الاقتصادية جعلت الكثير من الأطعمة كماليات لا يمكننا تحملها. الأجواء في المنزل تغيرت تماماً، حتى زيارة الأقارب باتت مكلفة بسبب ارتفاع أسعار المواصلات.”

المواصلات وغلاء البنزين: تحديات جديدة

في هذا السياق، أكد فادي أحمد، سائق تاكسي، أن ارتفاع أسعار الوقود أدى إلى تراجع حركة المواصلات، قائلاً: “سعر البنزين ارتفع بشكل جنوني من أقل من دولارين إلى نحو 34 دولاراً أميركياً للتر الواحد.

هذا جعل الناس تتجنب استخدام المواصلات إلا للضروريات القصوى. حتى زيارة الأقارب وصلة الأرحام التي كانت من الطقوس الأساسية في رمضان أصبحت صعبة للغاية. الناس باتت تعتمد على الاتصالات الهاتفية بدلاً من الزيارات بسبب غلاء المواصلات.”

المساعدات والتهديدات الإسرائيلية تزيد من المعاناة

وأشار عبد الله الشوا، محلل سياسي، إلى أن التهديدات الإسرائيلية بعودة العدوان ووقف إدخال المساعدات زادت من التوتر والقلق بين المواطنين، موضحاً: “الوضع الأمني المتوتر مع التهديدات الإسرائيلية باستئناف العمليات العسكرية جعل المواطنين في حالة توتر دائم.

القلق يتزايد خاصة مع وقف إدخال المساعدات إلى القطاع وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. الناس تشعر أن الحرب لم تنته بعد، وأنهم يعيشون تحت تهديد مستمر.”

وعن نفس القضية، أضافت سلمى البطنيجي، وهي ناشطة اجتماعية: “هناك خوف شديد بين الناس. حتى بعد وقف إطلاق النار، لا تزال الأوضاع غير مستقرة.

الأسواق شبه فارغة من البضائع، والمواطنون بالكاد يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية. الأوضاع الاقتصادية والنفسية صعبة للغاية، والناس تعيش في حالة من القلق والتوتر.”

استبدال المساجد بالمصليات

أما في الجانب الديني، أوضح إبراهيم الأغا، وهو إمام مسجد، أن الاحتلال الإسرائيلي دمر مئات المساجد خلال الحرب، مما اضطر السكان إلى إقامة مصليات مؤقتة.

وقال: “الاحتلال دمّر أكثر من 1100 مسجد من أصل 1244، أي نحو 90% من مساجد القطاع. ولكن رغم ذلك، سارع أهل الحي إلى إنشاء مصليات قرب أنقاض المساجد، وهناك إقبال كبير من الناس على هذه المصليات، خاصة في صلاة التراويح.”

وأضافت خديجة صالح، وهي مواطنة من حي الزيتون: “رغم الظروف الصعبة، إلا أن الناس تتعالَى على جراحها. نرى إقبالاً كبيراً على المصليات، وكأنها محاولة للصمود والتشبث بالأمل.

لكن، من المحزن أن المساجد التي كانت تعجّ بالمصلين لم تعد موجودة، وصار المصلى المؤقت لا يتسع للجميع.”

الأطفال يحلمون بالفرحة رغم المعاناة

من جهة أخرى، أكد ناصر الزويدي، وهو مختص نفسي، أن الأطفال هم الأكثر تأثراً بهذه الأوضاع، قائلاً: “الأطفال في غزة يعيشون تحت ضغط نفسي كبير.

الحرب تركت أثراً عميقاً في نفوسهم، والآن، مع قدوم رمضان الذي كان بالنسبة لهم شهراً مليئاً بالفرحة والزينة والفوانيس، أصبح الوضع مختلفاً. الأطفال لم يعد لديهم ما يفرحون به، والأهالي بالكاد يستطيعون توفير الطعام، فما بالك بشراء فوانيس أو هدايا لأطفالهم؟ هذا يخلق حالة من الإحباط لدى الجميع.”

تحديات مستمرة وأمل بالفرج

رغم كل هذه المعاناة والتحديات، أكد جميع من تحدثنا معهم أن الأمل لا يزال قائماً. أوضح عدنان سرحان، مواطن من غزة: “صحيح أن الأوضاع صعبة جداً، لكننا نحاول أن نصبر ونتجاوز هذه المحنة. رمضان دائماً ما كان شهر الصبر والتحمل، ونعلم أن الفرج قريب بإذن الله.”

ويبقى شهر رمضان في غزة هذا العام شاهداً على صمود أهل القطاع في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة والتهديدات الإسرائيلية المستمرة.

ورغم كل التحديات، يبقى الأمل في قلوب الغزيين، بأن يأتي يوم يعيشون فيه رمضان كما اعتادوا عليه في الماضي، بأجواء الفرح والزينة والطمأنينة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى