بمناسبة العام الجديد؛ شرفني في منزلي – المتواضع- أحد أعز أصدقائي، و هو حاصل على درجة الدكتوراه في الإعلام بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، عن موضوع ( دور وسائل الإعلام فى رسم الصورة الذهنية للمواطن المصري)، و بالإضافة إلى ذلك فهو يكتب المقال و القصة، و له علاقات واسعة مع الشعراء و كتاب القصة و المسرح بأسيوط، و الصعيد.
بعد السؤال عن الأحوال و الصحة، أبلغني صديقي الغالي، و هو يعلم بظروف عملي، و ضيق وقتي، و عدم متابعتي للـ Facebook.؛ لأنني لست من هواته، قال: ” الـ facebook مشتعل“!!.
ظننته فى البداية سيحدثني عن طوفان الأقصى، او حرب الإبادة الجماعية الممنهجة التى تمارسها إسرائيل ضد أشقائنا العزل فى غزة.. أو الاختيارات الغريبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى المناصب الوزارية ..
أوضح صديقي أن هناك عمليات حشد و تعبئة الكترونية يمارسها أحد كبار المسؤولين- السابقين- بفرع ثقافة أسيوط، و الإدارة المركزية لإقليم وسط الصعيد الثقافى، التابعين للهيئة العامة لقصور الثقافة، بعد أن استجاب السيد الدكتور/ أحمد هنو- وزير الثقافة لما نشرته ( أخبار الغد) من مخالفات مالية و إدارية ضد هذا المسؤول؛ و قام بعزله من مناصبه، و الاكتفاء بمنصب استشاري ب.
أوضح لى صديقي أن بعض الشعراء و كتاب القصة فى أسيوط يطالبون على صفحاتهم الشخصية بعودة هذا المسؤول، و أن صديقي طُلب منه كتابة دعم لهذا الرجل، ، و لكنه رفض!! وحسنا فعل السيد وزير الثقافة بأن أعرض و نأى بجانبه عن هذه المناشدات.
بالطبع فإن كاتب هذه السطور يحترم و لا يصادر على رأى أيا من هؤلاء المطالبين بعودة هذا المسؤول السابق، فقد نصت المادة65 من الدستور المصري على ان :” حرية الفكر، و الرأي مكفولة، و لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير و النشر”.
لكن السؤال الهام الذى يطرح نفسه: هل بذل أيا من هؤلاء جهدا فى البحث عن المخالفات المالية و الإدارية المنسوبة لهذا المسؤول السابق قبل أن يناشدوا وزير الثقافة بعودته؟
و إذا كان ردهم بأن أيا من هذه المخالفات المالية و الإدارية التي نشرها موقع ( أخبار الغد) لم يثبت – حتى الان- على هذا المسؤول؛ فأقول لهم بأن البراءة القانونية بسبب عدم كفاية الأدلة، أو القصور فى الإجراءات القانونية، لا تعنى إطلاقا طهارة يده، و صلاحيته للاستمرار فى مناصبه.
و لعل الجميع يتفق معي أن مهرجان البراءات التي حصل عليها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، و اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق في كل ما نسب إليهما من تهم قتل المتظاهرين و الفساد و غيرها، هي براءات بسبب قصور الإجراءات القانونية، و ليس لعدم ارتكابهما ما نسب إليهما.
لقد أكدت المحكمة الإدارية العليا في قضائها على أن: ” كل من يشغل موقعا قياديا على أي مستوى كان مسؤولا عن إدارة العمل الذى يتولى قيادته بدقة و أمانة – مقتضى ذلك أنه ملتزم بمباشرة مهام الإدارة العملية للعمل المعهود به إليه بما ينطوي عليه ذلك من عناصر التخطيط و التنظيم و القيادة و التنسيق و الرقابة..و يكون عليه مباشرة هذه المهام بأقصى درجات الإخلاص و الجدية الهادفة إلى تحقيق غايات العمل الذى يتولى قيادته..”.( الطعن رقم 3635 لسنة 41 قضائية عليا- مجلس الدولة- المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة- السنة 43- ص 1415)
بل إن هناك سؤالا هاما اخر يطرح نفسه: هل قرأ أيا من هؤلاء تقرير كفاية الأداء لهذا المسؤول – السابق الذين يطالبون بعودته؟
لقد كتب رئيسه المباشر في تقييمه عن الفترة من 1/7/2019 حتى 30/6/2020 بحصر اللفظ انه : ” صانع جيد للمشاكل المعرقلة لأداء العمل، و علاقته ليست طيبه بنظرائه.. و لا يتابع المواقع الثقافية و يتحجج بسوء حالته الصحية، ولا توجد مستندات موثقة تفيد سوء حالته الصحية”!!.
و في تقرير اخر عن الفترة من 1/1/2021 حتى 30/6/2021 حصل على مرتبة كفاية بدرجة 65%، و أوصى رئيسه المباشر بعدم استمراره في شغل الدرجة الوظيفية، و للعلم فإن هذه التقارير لم تلغى، و ما زالت مثبته بملف خدمته.
لقد ذكرني صديقي العزيز بمقال قديم للصحفى الأستاذ/ مصطفى أمين، ونشره في كتابه ( الـ 200 فكرة)، و الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم، جاء فيه: ” أعجب لصاحبي !
يجلس معي فينتقد و يهاجم و يسب و يلعن، فإذا كتب مدح و أثنى و دافع و قال ليس في الإمكان أحسن مما كان !
الشيء الذى يلعنه فى الغرفة المغلقة يشيد به على رءوس الأشهاد !!
قلت له : عجيب أمرك. المفروض أننا عندما نرتكب معصية أن نرتكبها فى الخفاء، و لكنك أنت رجل تصلى همسا و تكفر علنا، تعبد الله فى البيت و ترتكب الذنوب فى الطريق العام!!
قال: بصراحة إنني أخاف !
قلت: تخاف الحاكم و لا تخاف الله ؟
قال : إن دخول النار أهون من دخول الزنزانة!!
قلت له: لا تخف الزنزانة يا صاحبي!! أنا مكثت فى الزنزانة حوالى تسع سنوات، كنت أشعر فيها أننى أقوى من الذين سجنوني! كنت بعيدا عن السلطان و قريبا من الله ! كانت معدتي خاوية و كان قلبي مليئا بالإيمان !
قال : إن كلمتي لن تغير الحال !
قلت : كلمة صدق قد تهدم قلعة !
قال : همساتي سوف تضيع في ضوضاء الطبول !
قلت : هذا ليس عذرا لتسير في مواكب الطبالين و الزمارين ! إذا لم تستطع أن تقول كلمة الصدق فاسكت !
قال : الساكت عن الحق شيطان اخرس !
قلت : هذا خير من أن تكون شيطانا متكلما !
إن هذا النوع من الطباليــن و الزمــارين موجود فى كل بلد محروم من نعمة الحرية. هم أشبه بقرق الموسيقى التى تتقدم مواكب الأفراح. لا يعرفــون اسم العريس و لا اسم العروس، و لكنهم يعرفون كم يقبضون فى نهاية الزفاف! و بعض الناس يطبل و يزمر ليأكل أو ليطعم أطفاله الجياع و هؤلاء نسمى الواحد منهم ” منافــق الضرورة”! و لكن الشيء الغريب أن تجد ما يمكن أن تسميه ” المنافق لله” ! أي الذى ينافق و هو فى غير حاجة إلى النفاق، فهو ليس فى حاجة إلى الطعام، و هو صاحب عمل لتجارى لا علاقة له بالدولة..و مع ذلك كله إذا رأى أحد الحكام انحنى و انثنى، و حاول ان يقبل يده، و حرق البخور بين يديه، فإذا أدار هذا الحاكم ظهره سبه و لعنه و شتمه و تمنى على الله أن يخلص البلاد منه !!”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المحامي بالاستئناف العالي و مجلس الدولة – عضو اتحاد المحامين العرب، حائز على جائزة تفوق من الهيئة العامة لقصور الثقافة، و سبق له نشر عدة أبحاث ضمن كتب مؤتمرات الهيئة العامة لقصور الثقافة.