في مثل هذا اليوم، الثالث عشر من يناير عام 1924، تم الإعلان عن فوز حزب الوفد في أول انتخابات برلمانية مصرية، حيث حصل على 90% من مقاعد مجلس النواب، بينما سقط أشهر خصوم سعد باشا زغلول، بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الداخلية يحيى إبراهيم باشا، أمام مرشح الوفد في دائرة منيا القمح.
هذا الحدث كان شهادة ناطقة لنزاهة الانتخابات في ذلك الوقت، حيث لم تشهد التدخل الحكومي المعتاد أو الضغط على الناخبين كما كان يحدث في الأنظمة السابقة.
اليوم، وأنا أكتب هذه السطور، أشعر بعمق الحاجة إلى معارضة سياسية أقوى من الحكومة، أنظف منها، وأكثر حكمة وذكاءً منها.
نحتاج إلى معارضة تعرف كيف تدير البلاد ليس من خلال تحويل السياسة إلى سلعة بل من خلال استخدام السياسة كأداة لتحسين الاقتصاد.
أبدأ بالتعبير عن الرغبة في رؤية معارضة سياسية حقيقية، قوية ونظيفة، قادرة على تحدي الحكومة بجرأة ونزاهة، مثلما رأينا في تاريخ الوفد الذي سطّر صفحات من النضال والديمقراطية.
أرغب في معارضة تعرف أن السياسة ليست سلعة تباع لشراء مكاسب اقتصادية عابرة، بل تدرك الحد الفاصل بين خدمة الشعب وإثراء الحكام.
أطمح أن تقف تلك المعارضة كحائط صلب أمام أي محاولة لخلط المصالح الشخصية بمصالح الدولة، مثلما فعل سعد زغلول ورجاله حين انتصروا في أول انتخابات برلمانية في تاريخ مصر.
أرغب في رؤية معارضة تدرك أن هناك خطاً فاصلاً وواضحاً بين ما هو ملك للدولة وما هو خاص بالمسؤولين، بين خزينة الدولة وجيب الحاكم، بين مؤسسات الدولة وعائلات الساسة، بين ما هو دستوري وما هو عبارة عن فاتورة مدفوعة لمصالح فردية أو حزبية.
المعادلة واضحة، ونحن نعيش في عصر يصرخ بالحاجة إلى مسؤولين يفهمون دورهم، لا أولئك الذين يغرقون في مصالحهم الشخصية ويختلط عليهم مفهوم السياسة بخدمة الذات.
أطالب بمعارضة تعي دورها الحقيقي في خلق توازن سياسي صحي، معارضة تفهم أن السلطة ليست غاية، بل وسيلة لخدمة الوطن.
معارضة تدرك أنها لو تولت زمام الحكم، فإنها ستُجيد استخدام السلطة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وليس لشراء ولاءات سياسية أو إثقال كاهل المواطنين بالمزيد من الأعباء.
أريد أن أرى معارضة تفصل بوضوح بين خزانة الدولة وجيب الحاكم، بين مصلحة الحكومة ومصالح الأفراد، وبين الدستور والقوانين التي تحمي الشعب من استغلال السلطة، وبين الفواتير التي تُفرض دون وجه حق على كاهل المواطن.
أعود بذاكرتي إلي يوم أمس، في الثاني عشر من يناير، أكملت 35 عامًا من الانتماء إلى حزب الوفد، الحزب الذي أزداد عشقي له يومًا بعد يوم.
إنني أنظر إلى استمراري في هذا الحزب بفخر، ليس لأنني أرى فيه حزبًا سياسيًا وحسب، بل لأنه كان وسيظل بالنسبة لي مدرسة في الوطنية والسياسة النزيهة.
عندما تزكيت من قبل إبراهيم باشا فرج، وزير الشئون القروية قبل حركة يوليو 1952، شعرت بالشرف والاعتزاز، ليس فقط لأني حصلت على هذه التزكية، بل لأني كنت جزءًا من كيان يقوده رجال من طراز فؤاد باشا سراج الدين، زعيم الأمة، الذي لم يكن مجرد سياسي، بل كان رمزًا للنزاهة والحكمة السياسية، ورجلًا عاش ومات من أجل مصلحة هذا الوطن.
أدعو الدولة المصرية إلى تكريم زعيم الأمة، فؤاد باشا سراج الدين بشكل يليق بمكانته وتاريخه، الذي كان له الدور الأكبر في تاريخ مصر السياسي،
وأطالب بتخليد اسم فؤاد باشا سراج الدين من خلال إطلاقه على إحدى محطات مترو الأنفاق، وأقترح أن يُكرّم في احتفالات عيد الشرطة القادمة، فهو من رفع راية الاستقلال والديمقراطية، ووقف في وجه الظلم والفساد، ليُصبح رمزًا للشجاعة السياسية.
فكيف يمكن أن نحتفل بهذا اليوم دون أن نذكر صاحب عيد الشرطة الحقيقي، الرجل الذي ساهم بشكل غير مباشر في الحفاظ على الأمن والاستقرار الذي ننعم به الآن؟
هذا ليس مطلبًا ترفيهيًا أو تكريماً لشخصية حزبية فقط، بل هو اعتراف بتاريخ طويل من الكفاح السياسي من أجل هذا الوطن. ففي الوقت الذي نحتفل فيه برجال الشرطة، يجب أن نتذكر من قدموا لنا رجال شرطة حقيقيين، رجالًا يحمون الوطن بروحهم وعقولهم لا بمصالحهم أو حساباتهم البنكية.
أرى في كل هذه الأمثلة دروسًا تحتاج معارضتنا الحالية إلى تعلمها وتطبيقها. أريد معارضة لا تخشى المواجهة، ولكنها في نفس الوقت تعرف قيمة النزاهة والشرف، معارضة تُعيد إلينا أمجاد الوفد الذي ناضل من أجل حرية الشعب وكرامته، معارضة تُعيد توازن القوى في الدولة، وتُعطي للشعب صوتًا حقيقيًا، لا صوتًا مجردًا من القوة والسلطة.
إني أبحث عن معارضة تعي حجم التحديات التي تواجهها البلاد اليوم. معارضة تكون جاهزة لقيادة البلاد إذا لزم الأمر، وتعرف أن السياسة ليست مجرد خطب رنانة في قاعات البرلمان أو مظاهرات حماسية في الشوارع. إنها معارضة تعرف كيف تشتري الاقتصاد بالسياسة، وليس العكس.
معارضة تُدرك أن من يحكم لا يجب أن يخلط بين ما هو شخصي وما هو عام، بين جيبه الخاص وخزينة الدولة، بين القوانين والدستور وبين صفقات المصالح الفئوية.
اليوم، نعيش في لحظة حرجة تحتاج إلى قادة يتحلون بالنزاهة والشجاعة والوضوح، قادة يعرفون كيف يعبرون عن طموحات وآمال الشعب، وليس عن طموحاتهم الشخصية.
أختتم بتأكيد رغبتي في رؤية معارضة تتجاوز التحديات وتضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، معارضة لا تسعى فقط للانتقاد، بل للعمل الفعلي على الأرض، معارضة تجعلنا جميعًا نشعر بالأمان والثقة في مستقبل هذا الوطن.