تصاعد نشاط تهريب البضائع على الحدود السودانية المصرية مع تصاعد الصراع في السودان
بعد نجاحهم في تهريب الذهب، أصبح مهربو الذهب على الحدود السودانية المصرية اليوم يقومون بتهريب مجموعة واسعة من البضائع تشمل الوقود والأسلحة وحتى البشر، إلا أنهم هذه المرة قوبلوا برد وحشي من قبل الجيش المصري، الذي نشر طائرات هليكوبتر وقناصة وأسلحة ثقيلة وأوقع قتلى في صفوف المهربين في المناطق الحدودية مع السودان.
لقد خلقت الحرب التي بدأت في إبريل عام 2023 في السودان، الظروف الملائمة لازدهار شبكات التهريب غير القانونية، في ظل انعدام الأمن والتوتر على طول الحدود، وذلك كنتيجة ثانوية للوضع العسكري والسياسي المتدهور في البلاد.
وفقاً لشهود عيان ومهربين تحدثوا إلى موقع ميدل إيست آي، فقد نشر الجيش المصري تعزيزات عسكرية على طول الحدود الجنوبية لمصر لمحاولة استقرار الوضع في ظل استمرار الفراغ الأمني في السودان.
وتظل المفارقة بمحاولة السلطات المصرية منع تهريب الوقود والسلع الأخرى، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن تهريب الذهب إلى مصر، على اعتبار أن الذهب مفيد لاقتصاد البلاد المنكوب، حيث أكد شهود عيان لموقع ميدل إيست آي، بأنه تم نقل كميات هائلة من الذهب من السودان إلى مصر منذ بدء الحرب في السودان.
“هذا السوق ضخم، وأستطيع أن أقول لكم إن ما لا يقل عن 200 مركبة تتحرك يومياً بين البلدين حاملة الذهب والوقود والبشر وغيرها من المواد المهربة” سائق مهرب بين مصر والسودان
ويتمثل خط سير تلك البضائع المتنوعة على النحو الآتي، فالسيانيد والزئبق المحظوران في مصر بسبب سميتهما والضرر الذي يسببانه للإنسان والحيوان، يتجهان شمالاً عبر الحدود، فيما توفر مصر الوقود والمواد الغذائية والسلع وغيرها من الإمدادات الرخيصة لمناجم الذهب في البحر الأحمر السوداني والولايات الشمالية.
ويبقى الأخطر من ذلك كله هو أنه يتم أيضاً تهريب البشر والأسلحة بين البلدين!
الوقود للسودان والذهب لمصر
كشف تاجر يعمل بين السودان ومصر لموقع ميدل إيست آي، بأن الوقود أصبح من أكثر السلع المربحة للمهربين، ففي مصر، حيث يتم دعم الوقود، تكون الأسعار أقل بكثير مما هي عليه في السودان، الذي يعاني من نقص حاد في الوقود.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أوضح سوداني مالك لمنجم ذهب في ولاية البحر الأحمر قائلاً: “في مناطق تعدين الذهب الجديدة بالسودان، خاصة تلك الموجودة في شرق السودان وولاية نهر النيل مثل الأنصاري ونورايا وغيرها، فإن الوقود الذي يأتي من مصر هو المصدر الرئيسي للعمليات”، كما يستخدم الوقود الذي يأتي من مصر أيضاً في المشاريع الزراعية في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.
يذكر أن معظم مهربي الذهب والوقود والسلع الأخرى رجال من قبائل العبابدة والرشايدة والبشاري المتواجدة على جانبي الحدود المصرية السودانية.
وفي شهادته لموقع ميدل إيست آي، أكد أحد السائقين على الحدود بأن الوقود والإمدادات الغذائية هي العناصر الرئيسية التي يجلبها المهربون من مصر إلى السودان، فيما يشكل الذهب والزئبق والسيانيد العناصر الرئيسية التي يتم تهريبها في الاتجاه الآخر.
وقال السائق، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، بأن “سعر الوقود في مصر مدعوم، حيث يصل سعر الجالون إلى نحو دولار، بينما يتراوح سعره في السودان بين 5-6 دولارات، وقد أصبح الوقود أحد السلع الرئيسية في السوق السوداء”.
أما عمال مناجم الذهب الذين يعملون في مناجم صحراء البحر الأحمر الجديدة، فقد أكدوا في حديثهم لميدل إيست آي، بأن العمليات تعتمد أساساً على الوقود المصري، وذلك ما أكدته لقطات حصل عليها موقع ميدل إيست آي من داخل مناطق تعدين الذهب هذه، حيث تظهر فيها طوابير طويلة من حاويات الوقود القادمة من مصر، والتي تستخدم لتشغيل مصانع الزئبق وغيرها من الآلات المستخدمة في استخراج الذهب.
أوضح سائق آخر متورط في أعمال التهريب لموقع ميدل إيست آي، بأن الزئبق والسيانيد الإسبانيين المستخدمين في استخراج الذهب في السودان والمحظورين في مصر، تم تهريبهما أيضاً إلى مصر، قائلاً: “هذا السوق ضخم، وأستطيع أن أقول لكم إن ما لا يقل عن 200 مركبة تتحرك يومياً بين البلدين حاملة الذهب والوقود والبشر وغيرها من المواد المهربة”.
وأضاف: “حتى الطعام وأجهزة إنترنت ستارلينك وغيرها من الاحتياجات تأتي من مصر إلى هذه المناطق، وفي بعض الحالات، يقوم التجار والمهربون بتبادل الذهب مع وسطاء في مصر ويشترون كميات كبيرة من الوقود ويأخذونها على الفور إلى السودان”.
الجيش المصري ينشر طائرات الهيلوكابتر
لقد قوبلت أعمال التهريب هذه مؤخراً برد فعل شديد من قبل الجيش المصري، حيث أكدت مصادر محلية لموقع ميدل إيست آي بأن قوات مصرية مزودة بطائرات هليكوبتر وقناصة قد شوهدت حول الجبال ونقاط العبور بين السودان ومصر، وأن هذه القوات قد قتلت أو أصابت عدداً من المهربين.
وعلى الجانب الآخر، قام مهربون من السودان ومصر بتسليح وتنظيم أنفسهم على الحدود بين البلدين، وذلك في تحدٍ لوحدات مكافحة التهريب المصرية المدعومة من الجيش، كما تلاحق القوات المصرية المهربين المسلحين المتورطين في الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة في جنوب أسوان ومناطق أخرى في جنوب مصر.
أوضح أحد المهربين المصريين لموقع ميدل إيست آي بالقول: “لا يمكننا التحرك دون تسليح أنفسنا لأن الجيش المصري لديه في بعض الأحيان نقاط تفتيش متنقلة ويجب عليك تجنب ذلك، وقد اشتبكنا معهم مرات عديدة وأصيب بعض أصدقائنا وسمعنا عن مقتل آخرين”.
المنافسة حول تعدين الذهب وتهريبه منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، ولا تشمل مصر فحسب، بل تشمل إثيوبيا وإريتريا وتشاد وجنوب السودان، حيث تتقاطع عمليات تعدين الذهب عبر حدود السودان الشاسعة
وأضاف المهرب: “الخطر الآخر يأتي من العصابات التي تنهب السائقين على الطريق بين البلدين، فهم يختبئون داخل الجبال، وإذا لم تكن مسلحاً بشكل جيد، فقد يتم نهب الذهب الذي بحوزتك أو سيارتك”.
أشار محلل مصري، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لموقع ميدل إيست آي، بأن السلطات المصرية تشعر بقلق خاص إزاء زيادة تهريب السلع المدعومة، فقال: “إن العصابات التي تعمل على تهريب الأسلحة بين البلدين ليست بجديدة، ولكن تهريب الذهب أدى إلى زيادة التوترات، ومع انعدام الأمن في السودان بسبب الحرب والأعداد الهائلة من الأشخاص النازحين إلى مصر، فقد أصبحت المنطقة الحدودية غير آمنة، خاصة وأنها طويلة ووعرة جداً”.
حدود متنازع عليها
هناك منطقة حدودية ساخنة أخرى هي مثلث حلايب، وهي منطقة متنازع عليها تطالب بها كل من مصر والسودان، وتوجد فيها اليوم العديد من مناطق تعدين الذهب الجديدة، والتي تشمل مناطق المسبا ووادي العلجي ومنطقة تعدين صلاح وجبال أورجيم والأنباط وغيرها.
بدأت عمليات الذهب في منطقة صلاح بمثلث حلايب عام 2017، لكن تم السيطرة عليه منذ عام 2020 من قبل شركة شلاتين للموارد المعدنية المملوكة للدولة، والتي قامت بطرد بعض عمال المناجم والحرفيين المحليين آنذاك.
وفقاً لشهادات عمال المناجم السودانيين الذين فروا من المنطقة بعد هجوم كبير شنه الجيش المصري في أغسطس عام 2024، لموقع ميدل إيست آي، فإن عمال المناجم قتلوا وأصيبوا في الهجوم، فقد قال إسماعيل أحمد، الذي كان يعمل في المنطقة، بأن الجيش المصري ووحدات مكافحة التهريب هاجموا عمال المناجم في المنطقة خاصة في منطقة صلاح للتعدين.
يقول إسماعيل: “تعرضت المنطقة لهجمات متكررة من قبل السلطات المصرية منذ عام 2022، لكن الهجوم في أغسطس الماضي كان الأكبر، حيث استخدمت الآلات الثقيلة والمروحيات وكانت النتيجة مقتل العشرات من الحرفيين وصغار عمال المناجم وأغلبهم من السودانيين، كما قُتل بعض المصريين، وفر آلاف الأشخاص نحو السودان أو مناطق أخرى في مصر”.
وأضاف: “كما قامت وحدات مكافحة التهريب بإحراق الآلات ومعدات التعدين التي تركها عمال المناجم في الحقول، وقد سمعت أن بعض المستثمرين المصريين والأجانب من المفترض أن يسيطروا بشكل كامل على هذه المنطقة”.
يذكر أن عدداً من البريطانيين والروس والأستراليين وغيرهم من اللاعبين الدوليين يطمعون في حصة من الذهب في المنطقة، حيث أفادت تقارير بأن شركة شلاتين، التي تعمل في المنطقة، تعتزم الاستيلاء على موقع صلاح وإدارته، ويذكر أنه في عام 2023، أنتجت شركة شلاتين أكثر من 300 كيلو جرام من الذهب من المنطقة، وفقاً لإحصائيات المؤسسة المصرية للثروة المعدنية.
شبكات إقليمية
أوضح باحث سوداني، طلب عدم ذكر اسمه، لموقع ميدل إيست آي بأن التوتر والمنافسة حول تعدين الذهب وتهريبه منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، ولا تشمل مصر فحسب، بل تشمل إثيوبيا وإريتريا وتشاد وجنوب السودان، حيث تتقاطع عمليات تعدين الذهب عبر حدود السودان الشاسعة، فهناك أنشطة تعدين متداخلة ليس فقط في مثلث حلايب ولكن أيضاً في المنطقة التي تربط السودان وليبيا ومصر.
وفقاً للباحث، فإن حدود السودان مع تشاد تشهد تداخلاً في أنشطة التعدين، كما يتقاطع التعدين مع الأنشطة التجارية بين مناطق شمال وغرب دارفور، ووسط وشمال تشاد، وهناك أيضاً تقاطع في أنشطة التعدين على حدود السودان مع إثيوبيا، وبدرجة أقل مع إريتريا.