مقالات ورأى

د. أيمن نور يكتب: إنسان

‏ ماذا تعني لي كلمة “إنسان”؟
‏ليست مجرد كلمة تُقال أو اسم يُطلق، وليست فقط العنوان الذي حملته أول أسرة جامعية أسستها في مطلع الثمانينات، ولا حتى الاسم الذي لازمني في شركتي الخاصة منذ التسعينات وحتى الآن.


‏إنها ليست اسمًا أصلاً، بل هي سؤالٌ عميق يسكنني، ينسج ملامح حياتي، يرسم خريطة وجودي، ويضيء كل زاوية في ذاكرتي.

‏أدركت منذ زمنٍ بعيد أن القوة التي نتشبث بها ليست إلا قشرة هشة، تخفي خلفها أعماقًا من الهشاشة التي لا يخلو منها إنسان. ففي داخل كل واحد منا زاوية ضعيفة، تنكسر أحيانًا، لكنها سرعان ما تبحث عن ترميم يعيد إلينا جوهر الإنسانية، لنبقى إنسانًا بمعناه الحقيقي، لا مجرد كائنٍ عابرٍ بين البشر.

‏ الروح تُرهق، والقلب يُثقل بحمل الأيام، والعين تشيخ قبل أن يشيب الرأس. حتى العقل، ذاك الذي نحسبه حصننا المنيع، يحتاج إلى هدنة من صخب الأفكار كي لا ينهار. وما الحياة إلا رحلة لاكتشاف ذاك الإنسان الذي يختبئ في أعماقنا، ذلك النور الذي يضعف أحيانًا، لكنه لا ينطفئ أبدًا.
‏لا تترك نفسك تتآكل بصمت، ولا تسمح لليأس أن يقضم أطراف روحك. جدد العهد مع إنسانك الداخلي، واعده إلى الواجهة، ليضيء دربك من جديد.

‏ منذ قليل، سمعت صوت صديق قديم
‏، كان صوته أشبه بكتابٍ قديمٍ أُعيد فتحه بعد سنوات طويلة. كل صفحة منه كانت تهدهد عقلي وتمنح قلبي فرحةً طفوليةً نادرة، كأن الزمن توقف، وأعادني إلى إيقاع لحظاتٍ لم تغادرني أبدًا.

ما زلت أحب أن أرقص على لحن طفولتي الذي يعزف بداخلي دون توقف. ذاك الطفل الذي يسكنني، لم أسمح للزمن يومًا أن يخرسه أو يقيّده بثقل النضج. أترك له مساحته، ليُبصر العالم بعينٍ مدهشة، حتى وإن أرهقتها الأيام. أفرح بتفاصيل صغيرة قد يراها البعض تافهة، لكنها بالنسبة لي هي الحياة بذاتها.

‏ ذاك الطفل هو أجمل ما تبقى مني، الجزء الذي لا يشيخ، النور الذي لا يخبو. وأنا؟ لست صفحة تُنتزع من كتاب، ولا تاريخًا يُطوى في زوايا النسيان.
‏ أنا إنسان، أستحق أن أعيش الحياة بكل جنونها وجمالها، أستحق أن أكون ذلك الإنسان الذي يرى في كل يوم فرصة جديدة للدهشة، للحب، وللنور.

‏ كن إنسانًا.. وامنح الطفل بداخلك فرصة للحياة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى