تقاريرمصر

إهدار 447 مليون جنيه في المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين

يُظهر تقرير رسمي أرقامه المذهلة والحقائق الصادمة عن التجاوزات المالية والإدارية التي يعاني منها المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين.

يكشف التقرير عن إهدار مالي ممنهج وإدارة غير فعالة للمجلس، مما يتنافى مع الأهداف النبيلة التي تأسس من أجلها، وهي تقديم الرعاية والدعم لأسر الشهداء والمصابين.

تُظهر الأرقام الرسمية أن المجلس لا يؤدي مهامه بالشكل الذي تم إنشاؤه من أجله، بل يظهر عجزًا فاضحًا في توفير الخدمات اللازمة لمستحقيها.

يُخصص المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين منذ إنشائه بموجب القرار رقم 128 لسنة 2011، ليكون جهة مسؤولة عن تقديم الدعم لأسر ضحايا ثورة 25 يناير وتوفير الرعاية الصحية والتعويضات المناسبة. لكن الفشل في تنفيذ هذه المهام أصبح واضحًا.

يثبت تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن المجلس يواصل إهدار الأموال، حيث انخفضت موازنة المجلس في العام الحالي إلى 53 مليوناً و829 ألف جنيه، بعدما كانت 59 مليوناً و257 ألف جنيه في العام السابق، ما يشير إلى انخفاض حاد في الميزانية، في الوقت الذي زادت فيه بنود الأجور والمزايا الاجتماعية.

يُظهر التقرير أن نحو 22.7% من الموازنة، أي حوالي 12 مليوناً و209 ألف جنيه، تم صرفها على الأجور وتعويضات العاملين بالمجلس، والذين بلغ عددهم 102 موظفًا، منهم 21 موظفًا بعقود مؤقتة.

يثير هذا التوظيف الكبير لأعداد الموظفين تساؤلات حول مدى كفاءة إنفاق الأموال على بند الأجور في وقت يعاني فيه المجلس من قلة في الموارد المالية وخلل في تقديم الخدمات للمستفيدين.

يكشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن أن هذا الهدر يمكن أن يُخصص لخدمة 8500 مستفيد بتكلفة أقل بكثير، وهو ما يشير إلى أن هناك سوء إدارة وفشل في تحديد الأولويات.

يعترض التقرير على غياب اجتماعات مجلس الإدارة منذ سبع سنوات، الأمر الذي يعكس غياب المتابعة والرقابة، ويعطل عملية اتخاذ القرارات الضرورية لتحسين الوضع داخل المجلس.

يُثير التقرير أيضًا قضية مصاريف علاج المصاب معوض عادل، الذي تم إنفاق 29 مليونًا و666 ألف جنيه على علاجه في لندن منذ عام 2014.

تُسائل التقارير عن جدوى هذا الإنفاق الضخم في الوقت الذي لم يعقد فيه المجلس أي اجتماعات لمناقشة أوضاع المصابين الآخرين أو تقديم خدمات طبية لأسر الشهداء بالشكل المطلوب.

تعكس هذه المصاريف الفلكية تباينًا حادًا مع عدد المستفيدين من خدمات المجلس، مما يطرح تساؤلات جادة حول كيفية تخصيص هذه الأموال في مكانها الصحيح.

يُفترض أن يقوم المجلس بتوفير فرص عمل لأسر الشهداء والمصابين، لكن لا توجد آلية واضحة لتحقيق هذا الهدف. يناقش التقرير هذه المسألة في ظل الانشغال المستمر لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي لا يبدو أنه يتخذ أي خطوات جادة لتفعيل دور المجلس أو لضمان تنفيذ توصيات الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن تحسين أداء المجلس.

يُطرح السؤال هنا: لماذا لا يُشرف رئيس مجلس الوزراء على تحسين الوضع داخل المجلس؟ وهل يُعقل أن يتواصل هذا الإهدار في المال العام دون محاسبة؟

يُظهِر التقرير أيضًا تجاهل الحكومة للملاحظات الواردة من الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن عدم إضافة أرصدة مالية كبيرة إلى إيرادات الدولة.

يكتشف التقرير وجود أموال غير محصلة، تقدر بحوالي 447 مليون جنيه، كانت يجب أن تضاف إلى إيرادات الدولة، ولكن لم يتم التصرف فيها طوال هذه السنوات. يُثير هذا التساؤل حول أسباب التأخير في تحويل هذه الأموال إلى خزينة الدولة، على الرغم من مرور سنوات طويلة على اكتشاف هذه الحسابات.

يُبرز التقرير معضلة أخرى تتعلق بتعثر المشروعات القومية الكبرى التي تم تنفيذها من أجل القضاء على البطالة وتحقيق التنمية الاقتصادية.

تكشف التقارير عن إهدار مليارات الجنيهات على مشروعات غير مكتملة أو متعثرة، بسبب الفساد الإداري والإهمال المالي من قبل الشركات المتعاقدة. يجب أن تُفتح التحقيقات على مصراعيها، وأن يتم محاسبة المسؤولين عن تعطيل المشروعات التي كان يُفترض أن توفر فرص عمل للشباب المصري وتساهم في تحسين الوضع الاقتصادي.

يُطالب التقرير بتشكيل لجنة تقصي حقائق محايدة، تتكون من أعضاء مشهود لهم بالنزاهة، لتدقيق جميع المشروعات المتعثرة والبحث عن أسباب تعثرها.

يجب أن يتم محاسبة الفاسدين والمقصرين، وأن يُعرضوا على القضاء ليواجهوا العدالة. لا يمكن أن يستمر هدر المال العام في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى كل قرش لإنجاز مشروعات جديدة تعود بالنفع على الأجيال القادمة.

يُختتم التقرير بتأكيد ضرورة تحرك جميع الجهات الحكومية المعنية، بما في ذلك البرلمان، وهيئات الرقابة الإدارية، للتحقيق في هذه التجاوزات، واتخاذ الإجراءات الفورية لتصحيح الوضع.

يجب أن تكون هذه القضية أولوية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب المصري، فالمال العام ليس ملكًا لأحد، بل هو حق للمواطنين، ويجب حمايته من أي إهدار أو فساد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى