تقاريرمصر

عقود تسليم ثروات مصر للبترول تعمق الاستغلال وتفضح سياسة التخلي عن السيادة

فضحت الاجتماعات التي عقدت في مقر نادي مرتفعات القطامية، وسط المناظر الطبيعية الخلابة وملعب الجولف، الاتفاقيات التي تهدد بتحويل مليارات الدولارات إلى حسابات الشركات الأجنبية، في حين يتأرجح الاقتصاد المصري بين أيدٍ خالية.

ناقش المديرون التنفيذيون لشركات مثل بريتيش بتروليوم، شل، أباتشي، وإيني مع مسؤولين حكوميين مصريين، سبل تقليص دور الدولة في قطاع النفط والغاز، مع بقاء مليارات الدولارات خارج الخزائن المصرية.

لم يكن يخفى على أحد أن التغييرات الصغيرة في عقد واحد يمكن أن تؤدي إلى خسارة أكثر من خمسة مليارات دولار، ما يعادل كامل الإنفاق السنوي على قطاع الصحة في البلاد.

تدفق الكلام خلال المائدة المستديرة التي أقيمت تحت عنوان “مستقبل اتفاقيات البترول والغاز في مصر” ليتضح أن وراء الكواليس تدور مفاوضات محمومة، تهدف إلى تحرير شركات النفط العالمية من أي رقابة مصرية، ولإعطائها كامل السيطرة على استخراج الثروات الوطنية.

تساءل المديرون التنفيذيون لشركات النفط الكبرى: “هل يدرك الناس صعوبة وضعنا؟ الناس فقط يرون المليارات التي نحققها، ولكنهم لا يرون التحديات التي نواجهها في هذه البيئة”، وأضافوا: “نحن نعمل رغم القضايا العمالية والصعوبات، لكننا صابرون”. وفي ذات الوقت، أكدوا أن الحل في “تحرير النظام” وتوسيع حرية عمل الشركات.

انطلقت مطالبات الشركات الكبرى بتخفيف القيود الحكومية على عملياتها، محذرين من أن الاتفاقيات المشتركة بين الحكومة المصرية والشركات الخاصة تجعل من الصعب تحقيق الأرباح كما في الماضي.

دعت الشركات متعددة الجنسيات إلى تحويل النظام إلى نموذج ضرائب “إتاوة” بدلاً من “الاتفاقيات المشتركة”، وهو ما يعني في النهاية تحويل المزيد من السيطرة على القطاع إلى الشركات الأجنبية.

نقلت هذه الشركات مطالبها إلى أرفع المستويات السياسية، مستغلة ضعف الوضع التفاوضي لمصر، لتسعى إلى إلغاء القوانين التي تضمن للدولة نسبة من العائدات البترولية، مما يجعل من الصعب استعادة أي فوائد حقيقية للمجتمع المصري.

عُقدت النقاشات على أساس أن هذه التغييرات الضرورية ستجلب ربحًا أعلى للشركات، في وقت تشهد فيه مصر أزمة اقتصادية خانقة وتراجعًا في السيادة على مواردها.

أصرَّ ممثلو الشركات على أن النموذج الحالي، الذي يتضمن شراكات بين القطاعين العام والخاص، أصبح عائقًا أمام الأرباح، مطالبين بتحرير النظام بشكل كامل وفتح الأسواق أمامهم ليحققوا أرباحًا غير محدودة دون تدخل حكومي.

قدَّر الحضور في الاجتماع أن النظام القائم حاليًا، الذي يعتمد على الشراكات بين الشركات العالمية والحكومة المصرية، لم يعد صالحًا في ظل التطورات العالمية.

أصرَّوا على أن النموذج الجديد، الذي يعتمد على تحويل الامتيازات إلى اتفاقيات ضرائب/إتاوات، سيتيح لهم مزيدًا من السيطرة على الموارد البترولية، ويقلل من تدخل الحكومة، وبالتالي يسرع من تحقيق الأرباح. هذا التحول، في نظرهم، هو السبيل الوحيد لتلبية احتياجاتهم في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.

في حين يتحدث المسؤولون الحكوميون عن أهمية تعزيز دور الدولة في هذا القطاع الحيوي، كانت شركات النفط الكبرى تشير بوضوح إلى أنها غير مهتمة بالعلاقات المرهقة مع الحكومة.

جاء هذا التحول، الذي يهدد بتقليص دور الدولة في اتخاذ القرارات الكبرى، ليعزز موقف الشركات الأجنبية ويقلل من قدرة مصر على فرض رقابتها على قطاع النفط والغاز، في ظل ظروف اقتصادية متدهورة، حيث تتأرجح الدولة في موقف تفاوضي ضعيف.

تخلي الحكومة عن سيطرتها لصالح شركات مثل بريتيش بتروليوم وشل وأباتشي وإيني، يعنى ضخ المزيد من الأموال إلى الخارج على حساب الاقتصاد المصري.

شركات النفط الكبرى تأخذ النصيب الأكبر من الأرباح، بينما تذهب العائدات البترولية إلى حسابات الشركات الأجنبية دون أن تترك أثرًا حقيقيًا في تطوير البلاد.

وبهذا، تصبح مصر مجرد مصدر للثروات التي لا تعود بالنفع على الشعب المصري، بل تدعم القوة الاقتصادية لتلك الشركات على حساب حقوق المواطنين.

في هذه النقاشات، بدأت تظهر ملامح سياسة خطيرة تهدد استقلالية مصر، إذ تتحول عقود النفط إلى أداة لتمويل الشركات الأجنبية، بل وتزيد من هيمنة هذه الشركات على مستقبل البلاد.

التنازل عن سيطرة الدولة على الثروات البترولية يفتح الطريق أمام تحويل النظام الاقتصادي المصري إلى أداة طيعة في يد الشركات الكبرى، مما يعزز استغلال موارد البلاد ويزيد من معاناة الشعب المصري في ظل سياسات اقتصادية ضعيفة.

فضحت هذه المفاوضات واقعًا مريرًا، يتمثل في التفريط في الثروات الوطنية لصالح قوى أجنبية، في حين تظل الدولة غارقة في الفساد وضعف الرقابة.

لن يقتصر تأثير هذه العقود على الاقتصاد فقط، بل يمتد ليطال السيادة الوطنية، حيث يُنظر إلى أن التخلي عن السيطرة الحكومية لصالح الشركات العالمية لا يهدد فقط الاقتصاد، بل يضع الأمن القومي في موضع تساؤل.

ففي ظل هذه العقود، تُغلق الأبواب أمام أي محاولات لتعزيز السيادة الوطنية، بينما تفتح الطريق أمام تحكم الشركات العالمية في مستقبل البلاد.

تتضح معالم هذه السياسة الخطيرة التي تقود مصر نحو التبعية الاقتصادية، حيث يُنظر إلى تلك العقود بأنها خطوة نحو زيادة الهيمنة الأجنبية على منابع الطاقة.

ويبقى الشعب المصري هو الخاسر الأكبر، إذ تتناثر ثرواته بين الشركات العالمية، بينما تزداد معاناته بسبب سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز مصالح فئات قليلة على حساب الأغلبية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى