تقاريرمحافظات

مشانق الإعدام ترتفع على مداخن “أسمنت الوطنية” للجيش المصري وتلوث هواء بني سويف

يكشف تقرير بيئي حكومي تصاعد معدلات التلوث البيئي في محافظة بني سويف، وتزايد أعداد الوفيات الناتجة عن الأمراض التنفسية، بعد إنشاء مصنع أسمنت الوطنية التابع للجيش المصري، الذي يعكس حقيقة ارتفاع نسب الجسيمات العالقة في الهواء بنسبة 67.5%، وتسبب هذا في وفاة 24% من سكان المحافظة خلال عام 2024.

بدأ الجيش المصري في بناء مصنع “أسمنت الوطنية” في محافظة بني سويف، على مسافة 125 كيلومترًا من العاصمة القاهرة، تحديدًا في قرية بياض العرب التابعة لمدينة بني سويف. منذ افتتاح المصنع في عام 2018، شهدت المنطقة تزايدًا في معدلات تلوث الهواء بشكل غير مسبوق، فقد ارتفعت نسبة الجسيمات العالقة في الجو بأقل من 10 ميكرومترات بنسبة تصل إلى 67.5%، وفقًا لتقارير وزارة البيئة المصرية.

تأسس مصنع “أسمنت الوطنية” بموجب القرار الجمهوري الصادر في أكتوبر 2018، وهو يُعتبر واحدًا من أكبر المصانع في الشرق الأوسط ومن أضخم المصانع عالميًا في إنتاج الأسمنت، حيث بلغت قدرته الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا. ويُشرف على تشغيله جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش المصري، الذي يملك 98.98% من المصنع.

في المقابل، شهدت محافظة بني سويف في عام 2024، ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الوفيات جراء الأمراض التنفسية، حيث بلغت النسبة 24% من إجمالي الوفيات في المحافظة، بما يعادل أكثر من 5000 حالة وفاة، مقابل 1390 حالة في عام 2017، وفقًا للنشرة السنوية لإحصاءات المواليد والوفيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

كما تسببت زيادة استخدام الفحم الحجري في عملية تصنيع الأسمنت، والذي يعد من أكثر أنواع الوقود تلويثًا للبيئة، في تفاقم الأزمة البيئية في بني سويف. وتقدر وزارة البيئة المصرية أن تكلفة استخدام الفحم في صناعة الأسمنت تتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار سنويًا بسبب الآثار الصحية الضارة التي يسببها، وعلى الرغم من القوانين التي تحدد شروط استخدام الفحم، فإن المصنع لم يلتزم بكافة معايير السلامة البيئية.

فيما أظهرت البيانات أن مصر استوردت كميات ضخمة من الفحم، حيث ارتفعت نسبة الواردات من الفحم بنسبة 700% بين عامي 2017 و2024، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الانبعاثات الناتجة عن صناعة الأسمنت. في عام 2017، استوردت مصر 351.2 ألف طن من الفحم، بينما قفز الرقم إلى 2.8 مليون طن في 2024، معتمدًا على الفحم المستورد من دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والهند، مما يزيد من التلوث في المنطقة.

وتشير التقارير البيئية إلى أن تلوث الهواء في بني سويف أصبح يتجاوز المعدلات القانونية التي تحددها وزارة البيئة، حيث ارتفعت نسبة الجسيمات العالقة في الهواء بنسبة 17.6% في عام 2019 مقارنة بعام 2018، ووصلت إلى 35.7% في 2020. كما تتجاوز معدلات التلوث الحالية المعايير المحددة بمرتين أو أكثر، مما يعكس التأثير الخطير للمصانع على صحة السكان.

وأدى هذا التدهور البيئي إلى زيادة ملحوظة في أمراض الجهاز التنفسي، والتي أصبحت السبب الرئيسي للوفيات في المحافظة. حيث تزايدت حالات الوفاة بسبب أمراض مثل الربو والتهابات الشعب الهوائية والأمراض المزمنة بنسبة كبيرة، ما يعكس تأثير تلوث الهواء على جودة حياة السكان.

لم تكتفِ وزارة البيئة بعدم اتخاذ خطوات فعالة للحد من تلوث الهواء، بل رفضت أيضًا الكشف عن تقارير تأثير انبعاثات مصنع “أسمنت الوطنية” على البيئة، مما يعزز الشكوك حول سياسات الحكومة في التعامل مع الأزمة البيئية. وبالرغم من المطالبات المستمرة من الأهالي ومنظمات المجتمع المدني بضرورة تحسين الظروف البيئية، إلا أن الوزارة تظل صامتة تجاه هذه القضية الهامة.

تستمر أزمة تلوث الهواء في بني سويف بلا حلول جذرية، في ظل تزايد التأثيرات الصحية الخطيرة على المواطنين. ومن المثير للقلق أن الحكومة لم تتخذ إجراءات ملموسة لتخفيف آثار تلوث الهواء رغم إقرارها بأهمية المراقبة البيئية وتحقيق المعايير الصحية. هذا السكوت يجعل من المستحيل على المواطنين العيش في بيئة صحية ونقية، ويزيد من خطورة الوضع على المدى الطويل.

استمرت أزمة تلوث الهواء في الزيادة دون حلول، مما دفع المواطنين إلى فقدان الأمل في التحسن، في ظل غياب أي تحرك حكومي فعّال للحد من الآثار البيئية السلبية.

طلبت العديد من المنظمات الحقوقية والبيئية من الحكومة إجراء تغييرات جوهرية في سياسات صناعة الأسمنت، واستخدام الفحم، من أجل حماية البيئة وصحة المواطنين، إلا أن تلك المطالب قوبلت بالرفض التام من قبل المسؤولين.

تتفاقم المشكلة أكثر وأكثر في ظل صمت الحكومة تجاه الآثار الصحية والبيئية الناجمة عن مصانع الأسمنت، ما يرفع مستوى المخاوف من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى كارثة بيئية وصحية قد يصعب معالجتها في المستقبل

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى