خلال الأشهر المنصرمة وخصوصاً في خضمّ الحرب الضروس التي شهدها لبنان ، أخذت عهداً على نفسي بعدم كتابة أي مقال حتى انتهاء العدوان البربري وذلك لكي لا أزيد الطين بلّة واكون من الطاعنين في ظهر المقاومة وبطريقة غير مباشرة نكون من الأشخاص الذين يقدمون للعدو الهدايا المجانية بتفرقتنا في وقت كان لبنان بحاجة إلى وحدة أبنائه و تناسي الخلافات السياسية ووضعها جانباً والتركيز على المساعدة الإنسانية للنازحين وخاصةً بعد التغرير بهم من قبل حزب الأوهام وأبواقهم الإعلامية المأجورة حتى حانت اللحظة ووجدوا أنفسهم على قارعة الطريق يصارعون الحياة وهمومها وحربها دون معين أو داعم أو حتى كفيل ولكن بعد انتهاء هذه الحرب كان من الضروري معاودة مزاولة الكتابة لمحاولة شرح وقراءة الأحداث التي عصفت بوطني الحبيب والتي ستعصف لاحقا بعدد من البلدان العربية الشقيقة.
لمن لا يعرف اتفاقية سايكس بيكو فهي اتفاقية تم الاتفاق عليها بين المفوض الفرنسي فرنسوا بيكو والبريطاني مارك سايكس عام ١٩١٦ بمباركة روسيا من أجل اقتسام الأراضي العربية التي كانت تحت الاحتلال العثماني ووضعها تحت الاحتلال الفرنسي-البريطاني بمعنى أوضح فإن سيف الاستعمار بقي مسلطاً على شعوب هذه الدول، ولكن تغير المستعمر، ولكن الفكرة واحدة وهي نهب خيرات هذه البلدان لأننا بنظرهم دول غير ناضجة ولا نملك الرجال الذين من الممكن أن يحكموا أو يكونوا أهلاً للقيادة. ولكن مع مرور الوقت شهدنا ثورات أدت للإطاحة بهذه الاتفاقيات وطرد الوجود العسكري ولكن التواجد الاستعماري غير هندامه من تواجد عسكري إلى تواجد فكري واقتصادي فاستعمرنا على مدى عقود من الزمن من خلال الاقتصاد أو من خلال الأفكار والمنتجات أو التكنولوجيا التي للأسف لم نجد شخصاً عربياً واحداً أو مصنعاً عربياً واحداً قادر على إنتاج ١٪ من هذه المنتجات رغم وجود جميع الموارد والعقول على أراضينا والتي لولاها لما سارعت الدول العظمى من أجل بسط نفوذها على دولنا ونهب خيراتنا أو حتى استخدام شعبنا وارزاقنا كورقة ضغط من أجل تحقيق مكاسب لأنفسهم على حساب أرواح الشعب وذلك من خلال عنوان عريض وهو القضية الفلسطينية وهو عنوان حق يراد به باطل وهذا ما حدث مع لبنان، فلبنان قديما كان ملتقى الحضارات وكان سويسرا الشرق ولكن موقعه الجغرافي المميز كان نعمة و نقمة، نعمة لانه جعله مقصداً للسياح الباحثين عن الراحة والجمال الطبيعي وتعدده الطائفي والانفتاح على جميع الأديان ونقمة لأن وجوده الجغرافي جعله مقصداً للدول المستحدثة التي وجدت ضالتها في لبنان فخلال وبعد الحرب الأهلية كان لبنان أرضاً خصبة للعديد من الميليشيات التي كانت تفتح المزادات على مبادئها وهذا ما حصل حينما قررت إيران إنشاء جناح مسلح لها في لبنان تحت مسمى حزب الله وتحت شعار نصرة فلسطين والقدس وازدادت أسهم حزب الله بعد تحرير الجنوب اللبنانية عام 2000 وبعد انتهاء حرب 2006 حينها استثمرت إيران أكثر في الحزب ودعمته مادياً وعسكرياً حتى أصبح دويلة داخل دولة.
وفي المقابل كانت إيران تحقق المكاسب من خلال إرسال مرتزقة الحزب إلى حرب هنا أو حرب هناك والملف النووي خير شاهد ولكن بعد عملية طوفان الأقصى وجدت إيران نفسها أمام خيارين احلاهما مرّ فهي بسذاجتها السياسية وقعت في فخ محورالممانعة فإمّا أن تنقل الحرب إلى اراضيها وتشارك وهذا حلم ممنوع الحلم به وأما أن تستخدم نذالتها وتتاجر بالدم العربي كرمى لمصالحها وهذا ما حصل فإيران قامت بتدوير زوايا الفخ واستفادت منه من أجل مصالحها وأول صفقة كانت التخلي عن رجلها الأول حسن نصر الله عندما باعته وكشفت مخبأه وكلنا نعلم الباقي واكتفت بصلاة الغائب بعد أن أوهمت جمهور الممانعة بأنها ستزلزل الأرض في حالة كهذه ، والصفقة الأكبر كانت حينما تخلّت وباعت الدكتاتور بشار فهي قبضت شك مؤجل الدفع لحين استلام ترامب الحكم وهذا ما سنراه مع الوقت أما روسيا فقد قايضت سوريا بأوكرانيا وخلال مدة قصيرة سنرى بسحر ساحر كيف تعود أوكرانيا إلى الحضن الروسي وفي خضم هذه التطورات وجد بشار نفسه وحيدا واستغلت المعارضة هذه الفرصة التي لن يكررها الزمن وقامت بالانقضاض عليه وخلعته وفرّ هارباً حاملاً اخفاقاته وتاريخ حافل من الاجرام والعبودية ومع تسارع الاحداث استعاد المارد التركي امجاد أجداده العثمانيين وعودة اللاعب التركي كلاعب إقليمي ودولي دغدغ حلم أردوغان وهذا ما كان يخطط له ونفذّه لذا يمكننا القول بأن تركيا سيطرت على حلب والشمال وخاصة لما تحمله حلب من مكانة تاريخية لدى الإمبراطورية العثمانية فاصبحت محافظة سورية تتبع للحكومة الانتقالية ولكن فعليا تحت كنف الاتراك وهذه عينّة بسيطة لما سيحصل لسوريا مستقبلا ، وهذا رأي شخصي ولكنني أرى بأن خارطة سوريا قبل 8 ديسمبر ستكون ذكرى وستتحول سوريا إلى كونفدراليات عديدة ولكن المرجع واحد وهو الحكومة الانتقالية فالسويداء مثلا ستكون للدروز والساحل للعلويين ولكن أكثر ما يثير الريبة والمخاوف هو طلب إحدى الأقليات الحماية من إسرائيل وخاصة بعد وصول دباباتهم على مشارف دمشق عندها ستكون إسرائيل بدأت بتحقيق حلمها من البحر إلى النهر فالدولة التالية بعد سوريا ستكون العراق نظرا لوجود الميليشات الشيعية التابعة لإيران كالحشد الشعبي وهذا ما يعطي سببا لإسرائيل لذا أعتقد بأن الآتي أعظم والعديد من الدول العربية ستكون تحت المجهر كالاردن و العراق ومصر فالشرق الاوسط الجديد الذي أطلعنا عليه نتنياهو بدأ بكتابته و سايكس بيكو العصر الحالي بدأ تنفيذه والدول العربية والأنظمة تكتفي بدور المشاهد لاعتقادها بأن السيل لن يصل إليها ولكن الخوف الخوف أن نصل لمرحلة نقول أكلتني يوم اكلت الثور الأبيض ولا استغرب إن وصلنا ورأينا العراق يُدمّر ومصر تُحرق والقضية الفلسطينية تُطمس فنحن شعوب تعودنا الاحتلال وأنظمة تفننت في تعذيب المعارضين و المفكرين وسجنهم واضطهادهم ونفيهم ولكن أول الغيث وخلاص الشعوب يكون بالانتفاض على نفسنا الجبانة الخاضعة ثم على حكامنا وزرع معنى الحرية ورفض الظلم في شيوخنا وشبابنا قبل أطفالنا ، عندها من الممكن أن نصل إلى شاطئ الأمان ونمنع بلادنا من التقسيم ونكون يداً واحدة ونحوّل مقولة أليس الصبح بقريب إلى صباح العز وصباح الانتصار وصباح الحرية.