تقاريرحوادث وقضايا

جريمة مركز ملوي: مذبحة في قلب مصر تكشف تواطؤ السلطة وتحريف العدالة

اقتحمت قوات الأمن مركز ملوي بمحافظة المنيا في 31 ديسمبر 2024، لتنتهي الحكاية بمجزرة جديدة لا تُغتفر، بعد مقتل المواطن عماد محمد نيازي على يد رجال الأمن.

لم تكد تمر ساعات على الحادث حتى سارعت وزارة الداخلية إلى نفي الاتهامات دون حتى منح فرصة للتحقيق أو التحقق من الحقائق. تعاملت السلطات مع الحادث بسرعة كبيرة، وهو ما يثير الشكوك حول نوايا إخفاء الحقيقة.

اتهم والد الضحية، وفقًا لشهادات شبكة حقوق الإنسان المصرية، الشرطة بقيادة العقيد علاء علام، رئيس البحث الجنائي، والمقدم محمد بكر، رئيس مباحث ملوي، بتصفية ابنه عماد في الشارع، وذلك بعد اقتحام منزله في قرية كفر تونا الجبل. توسّل والد الضحية إليهم ألا يُقدِموا على قتله، لكن الأمن تجاهل توسلاته، وأطلقوا النار عليه في مشهد مروع. وثّق محامي الأسرة الواقعة في فيديو قوي يوجه فيه اتهامات للقوة الأمنية، معتبراً أن ابنه لم يكن متورطًا في أي نشاط غير قانوني.

نشرت وزارة الداخلية بيانًا رسميًا، بعد ساعات من الفيديو، أكدت فيه أن الضحية كان “شقي خطر” وقد ارتكب عدة جرائم. ادعت الداخلية أن الضحية أطلق النار على رجال الأمن، مما اضطرهم إلى قتله في “تبادل لإطلاق النار”. قدّم هذا البيان مسوغات غير مقنعة للواقعة، وهو ما يُعتبر بمثابة حكم بالإعدام من دون تحقيق عادل. تعمقت الشكوك في نزاهة التحقيقات بعد أن بدأت النيابة العامة في اتباع خطى الداخلية، ولم تُظهر أي علامات للتحقيق الجاد في الجريمة.

اعتقلت نيابة أمن الدولة العليا محامي الضحية محمد فتحي عبد الرحيم، المعروف باسم محمد حمام، بتهمة “نشر أخبار كاذبة” و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”، وهو ما يطرح تساؤلات خطيرة حول حرية الدفاع عن الضحايا. أصبح السؤال الآن: هل يمكن أن يتحول محامي موكليه إلى “إرهابي” لمجرد أنه كشف الحقيقة؟ وهل أصبح الدفاع عن الضحايا في مصر جريمة تُعاقب عليها السلطات؟

سيطر الأمن على مجريات التحقيقات، وحوّلوا النيابة العامة إلى مجرد أداة في يد وزارة الداخلية. تلاعبت التحقيقات وأظهرت تدخلات واضحة في سير العدالة، وهو ما يُعزز القناعة بأن الشرطة هي من تقرر مصير الضحايا، دون أي مساءلة أو تحقيق جاد. تكررت مثل هذه الحوادث في السنوات الأخيرة، من بينها مقتل المواطن فرحات المحفوظي في يوليو 2023، حيث أظهرت الأدلة ضلوع ضابط في القتل، لكن المحاكمة انتهت ببراءة القاتل بعد تلاعب واسع في التحقيقات.

يؤكد هذا التواطؤ بين المؤسسات الأمنية والعدلية على أن العدالة في خطر شديد في مصر. يطرح الواقع الحالي تساؤلات عن غياب المحاسبة وفرض قانون فاعل يعاقب على جرائم الشرطة. يتساءل الجميع: هل ستظل النيابة العامة غائبة عن الدور المناط بها في التحقيق في هذه الجرائم؟ أم ستواصل الهيمنة الأمنية على الساحة القضائية؟

يشير الوضع الراهن إلى أن التحقيقات في هذه الحوادث يجب أن تكون شفافة وعادلة، وأن يكون هناك محاسبة حقيقية للمسؤولين عن انتهاك حقوق المواطنين. لا يمكن الاستمرار في هذا التغطية على جرائم الشرطة والإفلات من العقاب. إذا أردنا الحفاظ على العدالة في مصر، يجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية ومسائلة علنية، ويجب على المؤسسات القضائية أن تتدخل بشكل فعال لحماية حقوق المواطنين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى