الولايات المتحدة تعلن عن إعفاءات جديدة من العقوبات لدعم الخدمات الأساسية في سوريا
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عن منح إعفاءات إضافية من العقوبات تشمل بعض الأنشطة في سوريا خلال الستة أشهر المقبلة، وذلك لتسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات الأساسية عقب إطاحة نظام بشار الأسد.
تابعت الوزارة في بيانٍ لها أن الترخيص العام الجديد يوسع النشاطات والمعاملات المسموح بها مع سوريا، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار مراقبة التطورات الجارية مع تولي إدارة جديدة للحكم. وأكدت أنها تهدف إلى ضمان عدم عرقلة العقوبات لتوفير الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مما يعزز استمرارية وظائف الحكم في البلاد.
كما أضافت الوزارة أن هذه الإجراءات تأتي كثمرة للجهود المبذولة لدعم المنظمات الدولية والمحلية ودعم الجهود الإنسانية و”جهود الاستقرار” في المنطقة، بهدف تحسين الوضع المعيشي للسوريين.
وفي تعليق له، قال نائب وزيرة الخزانة، والي أدييمو: “نهاية حكم بشار الأسد الوحشي والقمعي، المدعوم من روسيا وإيران، توفر فرصة فريدة لسوريا وشعبها لإعادة البناء”. وأكد أدييمو أن الوزارة ستواصل دعم المساعدات الإنسانية وتعزيز الحكم المسؤول في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية.
تردد دولي
يأتي القرار الأميركي في ظل جهود حثيثة تبذلها الحكومة الانتقالية في دمشق لرفع العقوبات.
لكن المجتمع الدولي يبدي تردداً في رفع القيود. وقالت دول عدة ومن بينها الولايات المتحدة، إنها تنتظر لترى نهج السلطات الجديدة في الحكم.
وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أنها لم ترفع الحظر عن أي ممتلكات أو مصالح أخرى لأشخاص أو كيانات مدرجة حالياً على لائحة العقوبات.
وتشمل اللائحة الأسد ورموز نظامه والمقربين منه والبنك المركزي السوري وكذلك “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) التي قادت الهجوم الذي أدى إلى فرار الأسد.
وقالت الخزانة الأميركية، إن القرار لا يسمح أيضاً “بأي تحويلات مالية إلى أي شخص يخضع لعقوبات باستثناء تحويلات معينة مسموح بها للمؤسسات الحاكمة أو مقدمي الخدمات المرتبطين بها في سوريا”.
القدرة على إبرام الصفقات
وكان وزير التجارة السوري الجديد ماهر خليل الحسن قال في وقت سابق، إن حكومته غير قادرة على إبرام صفقات لاستيراد الوقود أو القمح أو البضائع الرئيسة الأخرى بسبب العقوبات الأميركية الصارمة على البلاد، وذلك رغم رغبة كثير من الدول، ومنها دول الخليج، في توفير هذه البضائع لسوريا.
وذكر خلال مقابلة مع “رويترز” من داخل مكتبه في دمشق، أن الإدارة الجديدة تمكنت من جمع ما يكفي من القمح والوقود لبضعة أشهر، لكنه أوضح أن سوريا ستواجه “كارثة” في حال عدم تجميد العقوبات أو رفعها قريباً.
عجز الموازنة والدين الأجنبي
في الموازاة، نقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن وزير المالية في الإدارة الحاكمة الجديدة محمد أبازيد قوله، اليوم، إن عجز الموازنة في عام 2025 الذي أقرته الحكومة السابقة يبلغ نحو 12 تريليون ليرة (923 مليون دولار). كما قال أبازيد، إن الدين الأجنبي للبلاد يراوح ما بين 20 و23 مليار دولار.
وأصيب الاقتصاد السوري بالدمار في حرب أهلية استمرت أكثر من 10 أعوام وعقوبات جعلته في معزل عن النظام المالي العالمي.
وفي ما يلي نظرة فاحصة على الوضع الراهن للاقتصاد، وكيف أدى الصراع إلى إعادة تشكيل العلاقات التجارية والمالية العامة للدولة.
ما هو وضع الاقتصاد السوري؟
نقل البنك الدولي عن بيانات سورية رسمية في ربيع عام 2024 أن الاقتصاد انكمش بأكثر من النصف خلال الفترة بين عامي 2010 و2021. ومع ذلك، قال البنك إن هذا ربما يكون أقل من التقديرات الحقيقية.
وأشارت حسابات البنك التي تستند إلى مؤشر الإضاءة الليلية، الذي يقيس إجمالي النشاط الاقتصادي، إلى انكماش حاد بواقع 84 في المئة بين عامي 2010 و2023.
وأعاد البنك الدولي تصنيف سوريا ضمن الدول منخفضة الدخل في عام 2018. وتقول وكالات تابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من 90 في المئة من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حجم الاقتصاد السوري بلغ 23.63 مليار دولار في عام 2022، وهو ما يعادل تقريباً حجم الاقتصاد في ألبانيا وأرمينيا اللتين يقل عدد سكان كل منهما عن 3 ملايين نسمة.
ماذا حدث للعملة السورية؟
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا خلال عام 2019 مع انزلاق لبنان في الأزمة المالية. وترتبط الدولتان المتجاورتان بعلاقات اقتصادية ومالية قوية. وقدمت سوريا مجموعة متنوعة من أسعار الصرف لمختلف المعاملات بهدف حماية الوصول إلى العملات الأجنبية المحدودة.
وفي أعقاب تولي الحكام الجدد السلطة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تعهد مصرف سوريا المركزي اعتماد سعر صرف موحد رسمي.
وأظهرت بيانات نشرها مصرف سوريا المركزي اليوم وصول السعر الرسمي إلى 13065 ليرة للدولار، مقارنة مع 47 ليرة للدولار في مارس (آذار) 2011 عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن.
وأظهر موقع شركة استشارات مالية بارزة ارتفاع أسعار الصرف في السوق السوداء إلى 22 ألفاً في وقت سقوط الأسد، لكنها انخفضت اليوم إلى 12800.
وأعلنت الحكومة الموقتة، أمس الأحد، تعيين ميساء صابرين حاكماً لمصرف سوريا المركزي، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيسه قبل أكثر من 70 عاماً.
احتياطات مصرف سوريا المركزي
ويعمل الحكام الجدد على تحديد ما تبقى في خزائن الدولة. وقال رئيس الوزراء الموقت محمد البشير، إن احتياطات النقد الأجنبي قليلة للغاية. وقالت مصادر لـ”رويترز”، إن خزائن المصرف المركزي تحوي نحو 200 مليون دولار إضافة إلى 26 طناً من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وهذا أقل بكثير من الاحتياطات البالغة 18.5 مليار دولار التي قدرها صندوق النقد الدولي في عام 2010، وأقل من الحد الأدنى الآمن الذي يغطي واردات البلاد لمدة ثلاثة أشهر.
وجمدت حكومات غربية أصولاً سورية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات منذ بدء الحرب، ولكن من غير الواضح قيمة هذه الأصول ومكانها.
وقالت الحكومة السويسرية، إن قيمة الأصول السورية المجمدة في البلاد تبلغ نحو 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار).
وفي أبريل (نيسان) الماضي، قدرت منصة “سيريا ريبورت” في نشرة لها، قيمة الأصول المجمدة في المملكة المتحدة بنحو 163.2 مليون جنيه استرليني (205.76 مليون دولار).
وعلى رغم العقوبات المفروضة على مصرف سوريا المركزي، سمحت حكومات غربية لسوريا بالاستفادة من الأموال المجمدة لأغراض إنسانية، مثل الأدوية والأغذية.
وتوقعت الحكومة السورية الجديدة استعادة أصول مجمدة في الخارج بقيمة 400 مليون دولار للمساعدة في تمويل بعض الإجراءات الإصلاحية مثل زيادات الرواتب 400 في المئة لبعض موظفي القطاع العام بداية من الشهر المقبل.
كيف أثرت الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد؟
قال البنك الدولي، إن تراجع عوائد النفط والسياحة أدى إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
كما انخفضت الواردات، ولكن بهامش أصغر، من 22.7 مليار دولار إلى 6.5 مليار دولار بسبب الاعتماد على استيراد الوقود والمواد الغذائية.
وقال خبراء، إن اتساع هذه الفجوة فرض ضغوطاً على المالية العامة للدولة، مما دفع الحكومة إلى سداد ثمن بعض الواردات بأموال غير مشروعة جنتها من مبيعات منشط الكبتاغون المسبب للإدمان أو من تهريب الوقود.
ويقول البنك الدولي، إن صناعة الكبتاغون أصبحت أعلى قطاع اقتصادي من حيث القيمة في سوريا، مقدراً القيمة السوقية الإجمالية لما يتم إنتاجه بنحو 5.6 مليار دولار.