تقاريرحقوق وحريات

مشروع قانون المسؤولية الطبية: غرامات ضخمة وعقوبات حبس تهدد مستقبل الأطباء في مصر

وافقت لجنة الصحة بمجلس النواب على إدخال تعديل كارثي في مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يعاقب بشكل صارم كل من يرتكب خطأ طبيا يُلحق ضررا حقيقيا بالمريض، حيث أقرّت فرض غرامات ضخمة تبدأ من 100 ألف جنيه، وقد تصل إلى مليون جنيه.

كما فرضت عقوبة الحبس التي لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات، مما يهدد بشكل خطير مستقبل الأطباء في مصر. القانون يميز بين الخطأ الطبي العادي والخطأ الطبي الجسيم، في خطوة تثير العديد من الأسئلة حول مصير آلاف المهنيين في المجال الطبي.

حذفت اللجنة مواد من القانون كانت تقضي بعقوبات إضافية على مقدمي الرعاية الصحية، والتي أثارت حالة من الارتباك بين أوساط الأطباء والمستشفيات، حيث تم التعامل معها على أنها تهديد مباشر لمستقبل عملهم.

وبالرغم من الاعتراضات المتكررة من النقابات المهنية، وافقت اللجنة على هذا التعديل تماشياً مع رغبة الأطباء في إزالة أي لبس قد يعيق ممارستهم الحرة، إلا أن هذه الخطوة لم تكن كافية لتهدئة الغضب الذي اجتاح النقابات الطبية.

في المقابل، أصرت الحكومة على موقفها الرافض لإلغاء عقوبة الحبس في القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية، مؤكدة على أن وجود عقوبات السجن في القانون لا يعني بالضرورة تنفيذها، بل يتيح القاضي مساحة واسعة في اتخاذ القرار.

وزير الشؤون النيابية محمود فوزي أكد أن تطبيق القانون على الأطباء لم يؤد إلى حبس أي منهم حتى الآن، بل اكتفى القضاة بتغليظ الغرامات المالية، وهو تصريح يراه البعض لا يمت للواقع بصلة.

بينما كانت النقابات الطبية تشجب هذه العقوبات، جاء ردها مزلزلا، حيث أكدت نقابة الأطباء رفضها التام لوجود الحبس في أي نوع من أنواع الخطأ الطبي، مطالبة باستبدال العقوبات القانونية بالتعويضات المالية مثلما يتم في العديد من الدول الغربية والخليجية.

وقالت النقابات إن هذا القانون لا يتناسب مع طبيعة العمل الطبي، محذرة من أن تطبيقه سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، أبرزها دفع الأطباء إلى ممارسة ما يعرف بـ”الطب الدفاعي”.

يُعتبر الطب الدفاعي ظاهرة كارثية تهدد نظام الرعاية الصحية في مصر، حيث بينت دراسة صادمة أن ثلث الأطباء المصريين قد انخرطوا في ممارسات طبية مفرطة، وتجاوزوا حدود الضرورة الطبية لتجنب القضايا القانونية.

أكدت الدراسة أن الأطباء، خاصة في التخصصات الجراحية، يبالغون في الفحوصات والعلاجات، مما يؤدي إلى إرهاق النظام الصحي وزيادة التكلفة على المرضى. إضافة إلى ذلك، يؤكد الأطباء أنهم يتجنبون الحالات المعقدة ويرفضون التعامل مع المرضى الذين قد يرفعون شكاوى ضدهم.

الكارثة الأكبر تتمثل في أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الفوضى يكمن في إنشاء محاكم متخصصة للتعامل مع قضايا المسؤولية الطبية، وتوفير التأمين ضد المخاطر الطبية، وهو ما يعد ضرورة ملحة لتخفيف العبء عن الأطباء وضمان تقديم رعاية طبية آمنة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى