الحكومة والأطباء على صفيح ساخن، سجال لا يتوقف حول قانون المسؤولية الطبية
تتجه الأنظار نحو أزمة متفجرة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء، والتي تزداد تعقيداً مع تمرير قانون المسؤولية الطبية الجديد.
لا مجال للشك أن هذا القانون أحدث صدمة كبيرة في الوسط الطبي، حيث انتفض الأطباء ضده بشكل غير مسبوق بسبب تداعياته الكارثية التي تهدد مستقبلهم المهني.
فجأة، تصاعدت التوترات إلى نقطة اللاعودة مع تصريحات وزير الصحة خالد عبدالغفار، الذي أطلق تصريحاً غاضباً يشير إلى أن الدولة أقوى من أي جمعية عمومية وأنه لا مجال للابتزاز. كان هذا التصريح بمثابة رصاصة في قلب الحوار الدائر.
أقرّت الحكومة مؤخراً تعديلات قانونية تسمح بحبس الأطباء لمدة تصل إلى خمس سنوات، فضلاً عن فرض غرامة تصل إلى مليون جنيه على كل طبيب يتسبب في خطأ طبي يؤدي إلى ضرر حقيقي للمريض. في حين أن هذه التعديلات كانت متوقعة، فإن المفاجأة الأكبر كانت في تأكيد نقيب الأطباء أسامة عبدالحى على تأييده لهذه التعديلات، وهو ما أثار حالة من الاستهجان بين صفوف الأطباء. سادت حالة من الغموض حول مواقف النقابة التي شجعت على التعديلات رغم ما قد تسببه من تداعيات سلبية على الأطباء.
مع إقرار هذه التعديلات، بدأ الأطباء في التعبير عن استيائهم، ودعوا إلى عقد جمعية عمومية لمناقشة هذه التعديلات والضغط من أجل تعديلها. ومع ذلك، شهدنا موقفاً غير متوقع من نقيب الأطباء الذي قرر تأجيل انعقاد الجمعية العمومية إلى شهر آخر، في خطوة فاجأت العديدين وأثارت تساؤلات حول حقيقة مواقفه. من جانبهم، قدم خمسة من أعضاء مجلس النقابة استقالاتهم اعتراضاً على ما يحدث داخل النقابة، في خطوة جريئة تصب في اتجاه رفض التعديلات والمطالبة بمواقف أكثر شجاعة.
الاستقالات كانت بمثابة إشارة تحذير من داخل النقابة نفسها، حيث تصاعدت موجة الرفض الداخلي لهذا القانون الذي يراه العديد من الأطباء تهديداً مباشراً لمهنتهم. من بين الأطباء المستقيلين كان إبراهيم الزيات، أحمد السيد، طارق منصور، أحمد علي، وأحمد الهواري، وهم من الأعضاء البارزين في النقابة. وتأتي هذه الاستقالات في وقت عصيب يشهد فيه القطاع الطبي مزيداً من التدهور، حيث أشار بعض الأطباء إلى أن القانون الجديد سيزيد من أزمة الأطباء في البلاد.
على الصعيد السياسي، أعلن حزب الدستور رفضه الكامل لقانون المسؤولية الطبية، مشيراً إلى أنه تم تمريره على الرغم من التحذيرات المتكررة من الأطباء. هذه التحذيرات أكدت أن القانون يعصف بمستقبل النظام الطبي في مصر، مما يزيد من قلق الأطباء والمواطنين على حد سواء. في وقت يُسجل فيه الاستقالات اليومية، تصل حالات العنف ضد الأطباء إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يتعرض 88% من الأطباء للعنف بمختلف أشكاله، إضافة إلى أن متوسط الرواتب لا يتجاوز 3700 جنيه شهرياً، في حين يواصل القطاع الطبي انهياره، مما يزيد من معاناة الأطباء والمجتمع بأسره.
في خضم هذه الأزمة، يشير الخبراء إلى أن القانون الجديد يضاعف من تعقيدات أزمة النظام الطبي في مصر، حيث أن الأطباء يعانون من نقص حاد في العدد والموارد. مع وجود 8.6 طبيب فقط لكل 10 آلاف مواطن، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ طبيب لكل 23 مريض، يبدو أن القطاع الطبي في مصر يواجه كارثة حقيقية تهدد بتدمير ما تبقى من قدرة النظام الصحي على مواجهة التحديات المستقبلية.