تحاصر فوضى “الفيزا المجانية” مئات السودانيين يومياً أمام قنصليات مصر في السودان، حيث يقف المتقدمون للتأشيرات في طوابير طويلة لأمل الحصول على تأشيرة دخول مجانية إلى مصر، لكن سرعان ما يكتشفون أن العملية لا تتعلق إطلاقاً بالحصول على حق طبيعي، بل تتحول إلى عملية تجارية تنشط فيها شبكات من السماسرة.
يشهد مبنى القنصلية المصرية في الخرطوم، كما في حلفا وبورتسودان، معركة يومية مليئة بالفساد، حيث يتعرّض المراجعون لعرقلة متعمدة لإجراءات التأشيرات.
يُجبر آلاف السودانيين على دفع مبالغ طائلة مقابل تأشيرات كان من المفترض أن تكون مجانية. توثق الحكايات اليومية للمراجعين فرض رسوم غير قانونية من قِبل سماسرة يعملون بتعاون مع موظفين داخل القنصلية،
حيث يفرض هؤلاء السماسرة “سمسرة” تبدأ من 1000 دولار أمريكي للتأشيرات البطيئة، وتصل إلى 2000 دولار للتأشيرات السريعة التي تصدر في غضون 24 ساعة.
ويؤكد التحقيق أن القنصلية تُصدر حوالي 700 تأشيرة يومياً، 300 منها فقط تُمنح مجاناً، فيما يباع الباقي من خلال هذه الشبكات.
يُؤكد الشاب السوداني محمد بلل (39 عامًا) تجربته مع هذه الشبكات، حيث اضطُر للمبيت ليلتين أمام القنصلية في شتاء 2019 دون جدوى، ثم استدعى “واسطة” عبر أحد معارفه داخل القنصلية.
يصف محمد بلل كيف استلم تأشيرته بعد أسبوع بفضل تدخّل السمسار، رغم أنه لم ينجح في الحصول على التأشيرة المجانية في الأيام التي تلت.
يشير بلل إلى تفاصيل تدخّل أحد رجال الأمن الدبلوماسي الذي “أخذ جوازه وذهب به إلى القنصلية، ثم عاد معه بوصل استلام”.
تسير الأمور بشكل مشابه مع حذيفة عبد الرافِع في العقد الثالث من عمره، الذي يروي كيف اضطر لدفع 2000 دولار للسماسرة بعد فشله في الحصول على التأشيرة المجانية في قنصلية حلفا.
بعد انتظار طويل في الطابور، اضطر إلى اللجوء إلى أحد السماسرة في محيط القنصلية، الذي أرسل جواز سفره إلى أحد موظفي القنصلية مقابل “سمسرة” ضخمة.
تشير الأرقام إلى أن القنصلية في حلفا وحدها تستخرج حوالي 300 تأشيرة يومياً، ما يعني جمع ما لا يقل عن 600,000 دولار يومياً من رسوم غير قانونية مقابل تأشيرات مجانية.
ويؤكد الموظف المتورط في القضية الذي وصفه السماسرة بـ “موظف القنصلية” أن هذه العمليات تتم بعلم القنصل العام الذي يتقاضى مكافآت نظير تسهيل مرور هذه التأشيرات مقابل عمولات مالية.
تشير التفاصيل إلى شبكة مترابطة من السماسرة الذين يتعاملون مع موظفي القنصليات في حلفا وبورتسودان، وحتى مع عناصر من الشرطة المصرية على المعابر الحدودية.
تعمل هذه الشبكات في انتهاك واضح للاتفاقات الثنائية بين مصر والسودان، وعلى الرغم من الاتفاقيات التي تمنح الحق في التنقل بين البلدين دون تأشيرات، لا يزال المواطن السوداني يعاني من فساد يسلبه حقه المشروع في الحصول على تأشيرة مجانية.
ينبغي على الحكومة المصرية اتخاذ خطوات عاجلة لوقف هذه الفوضى التي تهدد سمعة القنصليات المصرية وتستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السودان.