أنني عندما قرأت نتائج الاستفتاء الذي نشره موقع “أخبار الغد”، شعرت بغصة عميقة في قلبي، وبصدمة تتجاوز حدود الألم والحسرة، وكأن شيئاً ثميناً قد ضاع منا إلى الأبد.
الحزن الذي اجتاحني لم يكن مجرد شعور عابر، بل كان حزناً ممتزجاً بالأسى، حيث انقلبت المفاهيم رأساً على عقب، ورأيت بوضوح ما آلت إليه الأمور في حزب الوفد. كيف وصل الحزب الذي كان يوماً معقل الوطنية والمبادئ، إلى هذا الدرك من الانهيار؟
أن ترى الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد، يحصل على لقب “أسوأ رئيس حزب سياسي لعام 2024″، هو بمثابة صفعة موجعة في وجه كل من آمن بقيمة هذا الحزب وتاريخه المجيد وهو أمر يجعلني أتساءل: كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
وكيف أصبح حزب الوفد، الذي لطالما كان معبراً عن تطلعات الشعب المصري، يقوده شخص بات يجسد الفشل السياسي بكل معانيه؟
لم أكن أتصور أن حزب الوفد، الذي حمل يوماً راية النضال الوطني بقيادة عظماء وزعماء الأمة سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس، وفؤاد باشا سراج الدين، أصبح في يوم من الأيام تحت قيادة رجل عاجز عن تحقيق أبسط تطلعات الشعب.
عبدالسند يمامة جسد الفشل في أوضح صوره. قيادة ضعيفة، بلا رؤية ولا روح، تقود الحزب إلى الهاوية. كان يمكن أن يكون الوفد صوتاً للشعب، لكنه أصبح صدىً فارغاً لا يعبر عن شيء سوى العجز والتراجع.
لقد بات واضحاً أن قيادة الدكتور عبدالسند يمامة لحزب الوفد لم تكن سوى خيبة أمل متراكمة. فبدلاً من بناء جسور الثقة مع الشعب، قام بتفتيت ما تبقى من إرث هذا الحزب الوطني.
قيادة الوفد كانت تحتاج إلى قوة سياسية قادرة على إحداث تغيير ملموس، ولكن يمامة كان على العكس تماماً؛ شخصاً غارقاً في التناقضات
وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تصب في مصلحة الشعب. إن سقوطه في الاستفتاء الشعبي لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لسنوات من التخبط والجمود.
أما النائبة نشوى رائف، التي أطلق عليها الإعلام لقب “نائبة الغش”، فهي قصة أخرى من قصص الانهيار. فقد تجسدت فيها أزمة أكبر تعصف بالحياة البرلمانية المصرية.
حصولها على لقب “أسوأ برلماني مصري لعام 2024” ليس مفاجئاً، فقد أظهرت هذه النائبة قدرة فريدة على التورط في الفضائح والأزمات.
كان يُفترض أن تكون ممثلة للشعب ومدافعة عن مصالحه، لكنها بدلاً من ذلك انحدرت إلى مستوى من الانتهازية والممارسات التي لا تمت للعمل البرلماني بصلة.
من الصعب تخيل أن نائبة تمثل حزب الوفد العظيم، الحزب الذي قاده من قبل زعماء مثل سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس، قد وصل إلى هذا المستوى المتدني .. إنها حقاً تمثل تدهوراً واضحاً في الأداء السياسي.
والمفجع حقاً هو أن نرى كرسي زعماء الأمة سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس وفؤاد باشا سراج الدين، يتحول إلى كرسي الفشل.
إن كرسي حزب الوفد، الذي كان يوماً ما رمزاً للمقاومة الوطنية وللنضال ضد الاستعمار، أصبح اليوم محطماً على يد قيادة غير قادرة على تقديم رؤية أو موقف سياسي واضح.
كيف يمكننا أن نقبل أن يكون حزب الوفد في هذا الوضع المزري؟ كيف يمكننا أن نقبل أن نائبة مثل نشوى رائف تمثل دائرة كانت يوماً ما معقل المستشار ممتاز نصار، زعيم المعارضة المصرية؟
الحزن الأكبر ليس في فوزهما بلقب الأسوأ، بل في رمزية ما يعنيه ذلك .. كيف يمكن أن يكون هذا الكرسي، الذي كان يوماً ما رمزاً للأمل والوطنية، قد انحدر إلى هذا المستوى؟ إن رؤية هذا الانحدار تدفعني إلى التساؤل بحزن: هل ضاعت كل المبادئ التي قام عليها هذا الحزب؟
وعلى الجانب الآخر، أجد نفسي موافقاً بشدة على اختيار محمد أنور عصمت السادات كأفضل رئيس حزب سياسي لعام 2024 ليس مجرد صدفة أو مجاملة، بل هو نتيجة عمل سياسي جاد وواقعي.
السادات، الذي ينتمي لعائلة سياسية عظيمة، قدم نموذجاً مغايراً تماماً. وسط هذا المشهد الحزين، كان هو القائد الذي استطاع أن يمسك بزمام الأمور، ويقدم رؤية سياسية حقيقية للنهوض حيث قام ببناء توازن بين الواقعية السياسية والتزامه بمصالح الشعب.
قدرته على التفاعل مع القضايا الوطنية، وامتلاكه رؤية واضحة لإصلاح المشهد السياسي في مصر، جعلت منه الرجل المناسب في الوقت المناسب. إنه قائد يفهم ما يحتاجه الشعب، ويعرف كيف يعبر عن همومه وتطلعاته، وهذا ما يميزه عن بقية رؤساء الأحزاب.
حصل السادات على هذا اللقب ليس لمجرد اسمه أو تاريخه، بل لأنه قدم عملاً جاداً وواقعياً يستحق التقدير. إنه فهم عميق للتحديات، وإصرار لا يتزعزع على الإصلاح.
لقد أثبت السادات، بفضل تاريخه السياسي والبرلماني، أنه ليس مجرد سياسي آخر، بل هو قائد يتفهم أبعاد التحديات التي تواجه مصر.
بينما كانت الأحزاب الأخرى تتخبط في الأزمات والصراعات الداخلية، كان السادات يعمل بجد على تحسين الأداء السياسي لحزبه، ويقدم حلولاً عملية للتحديات التي تواجه البلاد.
محمد أنور السادات، بخلاف الكثيرين، لم يخيب آمال من وثقوا به. بينما كان الآخرون يتخبطون في أزماتهم الشخصية والسياسية، استطاع أن يقود حزبه، حزب الإصلاح والتنمية، نحو النجاح.
تقديمه لحلول عملية وبناءه لجسور التواصل مع الشعب يجعله بحق القائد الذي يحتاجه هذا الزمن. إنه لا يمثل فقط نجاحه الشخصي، بل يمثل الأمل بأن هناك من لا يزال يحمل مشعل الوطنية في قلب هذا الظلام.
الحزن العميق الذي أشعر به تجاه ما وصل إليه حزب الوفد، يقابله شعور من الطمأنينة بأن هناك من لا يزال يستطيع النهوض بالمشهد السياسي.
لكن رغم ذلك، يبقى السؤال الذي يؤرقني: هل يمكن لهذا الحزن أن يكون بداية لإعادة بناء ما تهدم؟ أم أننا سنظل نشهد المزيد من الانحدار؟