تقارير

قانون الإجراءات الجنائية: خطوة نحو الاستبداد والتعدي على الحريات

أقر البرلمان مواد قانون الإجراءات الجنائية التي تفتح أبواباً جديدة لسلطة الدولة على حساب الحريات الشخصية، مما يعكس انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنين.

وافق المجلس، بقيادة رئيسه المستشار الدكتور حنفي جبالي، على المادة 46 من مشروع القانون والتي تتعلق بتحديد إجراءات دخول المنازل وتفتيشها، رغم ما تحمله من مخاطر تهدد خصوصية المواطنين وتتيح للأجهزة الأمنية التعدي على حرمتها.

فرضت المادة 46 قيوداً مزعومة على دخول المنازل

صادق البرلمان على المادة 46 التي تنص على أنه لا يجوز دخول المنازل أو تفتيشها أو مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب يحدد مكان وتوقيت التفتيش والغرض منه. ولكن، في الحقيقة، تظل هذه المادة عرضة للتلاعب من قبل الأجهزة الأمنية.

فقد تم النص على ضرورة تنبيه من في المنزل عند الدخول وإطلاعهم على الأمر القضائي، ولكن هل ستلتزم السلطات فعلاً بهذه الإجراءات؟ الجواب الواضح هو لا.

فقد شهدت العديد من المنازل عمليات اقتحام غير قانونية يتم خلالها التلاعب بالأوامر القضائية أو تجاوزها تماماً، مما يفضح تلك الإجراءات التي تبدو “قانونية” على الورق، بينما الواقع مغاير تماماً.

أكد المستشار حنفي جبالي عدم السماح باقتحام المنازل إلا بإذن قضائي

أكد المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، في رده على أحد النواب، أن المحكمة الدستورية قد أكدت في حكم سابق أنه لا يجوز دخول المنازل دون إذن قضائي.

ورغم ذلك، لم يخفَ على أحد أن هذه النصوص القانونية لا تتجاوز كونها ذرائع قانونية لإضفاء شرعية على الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها الأجهزة الأمنية.

فحتى مع وجود النصوص التي تؤكد على “الشرعية القضائية”، يستمر الواقع في تقديم مشهد مغاير حيث تُنتهك حقوق الأفراد دون أي رادع حقيقي.

أقر المجلس المادة 36 التي تفتح الباب لتفتيش الأشخاص والقبض عليهم بلا حساب

أقر البرلمان أيضاً المادة 36 من مشروع القانون والتي تنص على أنه، باستثناء حالات التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته إلا بموجب أمر قضائي مسبب.

بينما تشير هذه المادة إلى ضمانات دستورية تحمي الأفراد، فهي في واقع الأمر تغطي ممارسات القمع التي لا تقتصر على القبض والتفتيش المشروعين، بل تشمل أيضاً الانتهاكات التي تتم دون مبررات قانونية.

فالأمر القضائي المسبب الذي يُشترط لتنفيذ هذه الإجراءات، لا يبدو أنه أكثر من ورقة شكلية تُستخدم لتمرير اعتقالات تعسفية وعمليات تفتيش لا مبرر لها، يتم تنفيذها بشكل عشوائي في بعض الأحيان.

أكد المستشار عمرو يسري أهمية النص على الإجراءات الجنائية الصحيحة

أكد المستشار عمرو يسري، عضو اللجنة الفرعية التي أعدت مشروع القانون، أن النص على المادة 46 يهدف إلى تحقيق الغاية المرجوة من خلال ضمان عدم التغافل عن أي إجراء جوهري قد يؤدي إلى بطلان القضية.

لكن هل هذه الغاية تحققت بالفعل؟ الواقع يشير إلى أن مثل هذه النصوص ليست سوى محاولة لتغطية التعديات الممارسة على حقوق المواطنين، خاصة في ظل عدم وجود رقابة حقيقية على كيفية تطبيق هذه النصوص.

مادة 37 تفتح الباب لاحتجاز المتهمين دون مبرر قانوني

من جهتها، أقر المجلس المادة 37 التي تنص على أنه لا يجوز حجز أو تقييد حرية أي شخص إلا في أماكن الاحتجاز ومراكز الإصلاح والتأهيل المخصصة لذلك.

وقد تم تحديد أن أي شخص لا يمكن قبوله في هذه الأماكن إلا بموجب أمر قضائي مسبب موقع عليه من السلطة المختصة.

لكن، في حقيقة الأمر، تظل هذه المادة عرضة للتلاعب أيضاً. فغالباً ما يتم حجز الأشخاص في أماكن غير مخصصة لهذا الغرض، ويتم احتجازهم لفترات غير محددة دون أن يتم احترام مواعيد الأوامر القضائية.

تفاقم انتهاكات حقوق المعارضين للنظام بشكل غير قانوني

رغم إقرار المجلس للمواد التي تنص على ضرورة وجود أوامر قضائية مسبقة لدخول المنازل وتفتيش الأشخاص، فإن واقع الحال يشهد انتهاكاً مستمراً لهذه النصوص.

فقد شهدت البلاد العديد من حالات الاعتقال التعسفي للمعارضين للنظام السياسي القائم، حيث يتم اقتحام المنازل دون أوامر قضائية، وتكسير أثاث المنازل وسرقة ممتلكات المواطنين، بل وحتى ترويع الأطفال والنساء في مشهد غير إنساني يثبت أن الإجراءات التي يتم تمريرها في البرلمان لا تحمي المواطنين، بل تزيد من القمع والتسلط.

التعذيب والإكراه: ما من ضمانات حقيقية لحماية حقوق المتهمين

شملت المواد القانونية أيضاً نصوصاً تحظر تعذيب المتهمين أو معاملتهم بقسوة، ولكن في ظل الواقع الحالي، لا توجد أي ضمانات حقيقية لحقوق المعتقلين.

فالمتهمون لا يحظون بمعاملة إنسانية في أماكن الاحتجاز، بل يتم تعذيبهم بشكل منهجي لإجبارهم على الاعتراف أو تقديم معلومات قد تكون مفبركة. وبالرغم من النصوص التي تضمن للمتهمين حق الصمت، فإن هذه الحقوق تُنتهك بشكل مستمر تحت ضغط التعذيب النفسي والجسدي.

منح سلطات استثنائية على حساب الحريات الفردية

ويظهر أن المواد التي أقرها البرلمان لم تكن أكثر من خطوة أخرى نحو زيادة القمع الاستبدادي في البلاد. تم تمرير هذه المواد بأغلبية لتوفير غطاء قانوني للاعتقالات العشوائية، وتفتيش المنازل، والاعتداء على حقوق الأفراد.

فبينما تدعي السلطات أنها تحمي الحريات والحقوق، فإن الواقع يكشف عن معاملة قاسية تعصف بهذه الحقوق، مما يثير القلق بشأن المستقبل الحقوقي في البلاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى