فضح انتهاكات حقوق الإنسان في قضية اعتقال عبدالرحمن القرضاوي في لبنان
اعتقلت أجهزة الأمن اللبنانية الشاعر المعارض المصري عبدالرحمن القرضاوي، نجل الداعية المصري يوسف القرضاوي، بعد زيارته إلى دمشق.
قد أثار هذا الاعتقال موجة من الاستنكار بسبب الظروف التي أحيطت به، مما يثير تساؤلات عن استقلالية القضاء اللبناني ومواءمته مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان.
تُظهر التقارير الحقوقية الأممية أن السلطات اللبنانية تتصرف تحت ضغوط قد تؤثر على حيادها في مثل هذه القضايا. وفقًا لهذه التقارير، يُستدل على أن السلطات المصرية تميل إلى استخدام التعذيب في التحقيقات مع المعارضين، بينما لا يمكن اعتبار القضاء المصري مستقلًا، بل تابعًا بشكل كامل للسلطة التنفيذية في البلاد. فهل كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية على دراية بهذه الوقائع عندما اعتقلت عبدالرحمن القرضاوي؟
يتساءل كثيرون عن كيفية تنفيذ لبنان لقرارات الإنتربول بشأن الاعتقالات السياسية، خصوصًا أن هناك سابقة في رفض لبنان تسليم مواطنين بسبب شكوك حول عدم توفر محاكمات عادلة في الدولة الطالبة للجلب. حيث يُعتبر من الممكن بحسب القانون الدولي أن ترفض الدولة المعنية بالتسليم تسليم المطلوب إذا تبين عدم وجود ظروف محاكمة عادلة في الدولة الطالبة.
من المؤكد أن لبنان كان أمام تحدٍ قانوني واضح عندما وُجِّهت له طلبات من مصر عبر الإنتربول، ولكن الوقائع تشير إلى أن لبنان ليس في موقف يسمح له بالتذرع بالجهل بممارسات التعذيب في مصر أو بأوضاع القضاء المصري الموالية للسلطة. بل كان على السلطات اللبنانية أن تتعامل مع هذه القضايا بحذر أكبر، من خلال الالتزام بمعايير حقوق الإنسان التي تفرضها الاتفاقيات الدولية.
أثبتت التقارير الحقوقية أن ممارسات التعذيب في مصر تشمل المعارضين السياسيين وغيرهم من الأفراد الذين يُستهدفون بسبب انتماءاتهم السياسية أو الاجتماعية. وقد أظهرت تقارير عديدة أن الأجهزة الأمنية المصرية تستخدم التعذيب كأداة للضغط على المعتقلين في مراحل التحقيق. وهذا من شأنه أن يجعل أي محاكمة تُجريها السلطات المصرية ضد المعارضين غير عادلة ولا يمكن الوثوق بها.
بالرغم من المخاوف التي أثارها البعض عقب وصول أحد الشخصيات التي تدور في فلك الإمارات إلى موقع مدير منظمة الإنتربول، إلا أن الآليات التي يعتمدها الإنتربول لا تتأثر بالأشخاص، بل بالمبادئ القانونية والحقوقية. حيث رفضت المنظمة في الأشهر الأخيرة تنفيذ العديد من مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء التونسي، لأنها كانت تتعلق بتهم سياسية أو كيدية، ولم تستوفِ الشروط القانونية اللازمة.
يُظهر هذا أن الإنتربول لا يعتمد على القضايا التي يصدرها القضاء الفاسد أو السياسي، بل يعترف فقط بمذكرات التوقيف التي تصدر عن أجهزة قضائية ذات مصداقية. في هذا السياق، يعتبر رفض تنفيذ المذكرات الصادرة عن دول معينة بمثابة حماية للمبادئ القانونية وتفاديًا لأي انتهاك للحقوق.
من هنا، يحق لكل شخص صادر بحقه حكم غيابي من قبل قضاء فاسد أن يسعى لرفع اسمه من قوائم التوقيف الدولية. وقد أظهرت التجارب أن الإجراءات الإدارية اللازمة لرفع الأسماء من هذه القوائم ليست معقدة. يكفي فقط أن يُثبت الشخص الطابع السياسي أو الكيدي للإجراءات القضائية التي استهدفته، كي يتمكن من رفع اسمه من هذه القوائم.
بناءً على ذلك، يجب أن تظل القضايا التي ينظر فيها الإنتربول مرتبطة فقط بالجرائم التي تقع ضمن إطار القانون الدولي، مثل الفساد، والجرائم ضد الأطفال، والجرائم السيبرية، والاتجار بالمخدرات، والتجارة غير المشروعة بالأسلحة، وتهريب المهاجرين، والجرائم المنظمة، والإرهاب، وغيرها من الجرائم التي تمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن الدولي.
يجب أن تتخذ الدول الإجراءات اللازمة لضمان عدم استخدام الإنتربول كأداة سياسية ضد المعارضين، خاصة إذا كانت هذه الدول لا توفر الظروف المناسبة للمحاكمة العادلة أو تمارس انتهاكات حقوق الإنسان ضد المعتقلين. هذه القضايا تتطلب من المجتمع الدولي مزيدًا من التفاعل، بهدف حماية حقوق الأفراد وضمان عدم إساءة استخدام المؤسسات الدولية لتحقيق أغراض سياسية.
ويُعد اعتقال عبدالرحمن القرضاوي في لبنان مثالًا على التحديات الكبيرة التي تواجهها بعض الدول في تطبيق المبادئ القانونية الدولية. ويجب على الدول الأعضاء في الإنتربول اتخاذ خطوات جادة لضمان عدم استغلال المنظمة كأداة لتصفية الحسابات السياسية، وتحقيق العدالة للضحايا من خلال نظام قانوني نزيه ومستقل.