تقاريرعربي ودولى

تهريب ضباط الأسد إلى المجهول: روسيا تحمي مجرمي الحرب بعد انهيار النظام

بعد انهيار النظام السوري بشكل مفاجئ وفجائي فرّ بشار الأسد إلى موسكو تاركًا وراءه نظامه يتداعى، بدأ يتكشف المشهد الذي يكشف عن الوجهات المجهولة التي فرّ إليها كبار ضباط النظام السوري، الملطخة أيديهم بدماء السوريين، في إطار عملية محمومة لنقل هؤلاء الضباط إلى أماكن غير معروفة قبل أن تطالهم يد العدالة الدولية.

تكشف المعلومات الواردة من “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن تفاصيل مروعة تتعلق بتصفية الحسابات داخل صفوف النظام السوري المنهار، حيث بدأت القوات الروسية في قاعدة حميميم بتعقب كبار الضباط وتوزيعهم على قواعدها في شمال إفريقيا بشكل متسارع. تم نقلهم عبر دفعات منظمة، دون أن تلوح أي وجهة نهائية، ما يثير تساؤلات عن الهدف الحقيقي وراء هذه التحركات.

بدأت عملية النقل في 8 ديسمبر، اليوم الذي فر فيه بشار الأسد، حيث جرت عملية إجلاء لأكثر من ثلاثين ضابطًا بارزًا من قادة الجيش والأجهزة الأمنية على متن طائرة مدنية، وتم نقل هؤلاء الضباط إلى مكان مجهول، دون أن يتم الكشف عن وجهتهم النهائية. الغريب في الأمر أن من بين هؤلاء الضباط، كان هناك شخصيات معاقبة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا بتهم ارتكاب جرائم حرب وحقوق إنسان، ما يطرح تساؤلات كبيرة عن التعاون بين النظام الروسي وأفراد النظام السوري الملطخة أيديهم بالدماء.

بعدها، في 13 ديسمبر، كانت الدفعة الثانية التي غادرت قاعدة حميميم، حيث تم نقل مجموعة أخرى من كبار الضباط على متن طائرة شحن عسكرية روسية. كان هذا النقل أكثر سرية، حيث لم تُكشف تفاصيل هذه الرحلة إلا لاحقًا عبر مصادر مطلعة. كان التوقيت حرجًا بعد أيام من فرار بشار الأسد، مما يشير إلى أن الروس كانوا يسارعون في تصفية الحسابات وضمان ولاء الضباط الجدد في أماكن غير معلومة.

في 14 ديسمبر، دخلت طائرات شحن عسكرية روسية إلى مطار حميميم في اللاذقية، حيث حملت معها دفعة جديدة من الضباط الموالين لنظام الأسد. في الوقت ذاته، تم نقل قوات روسية أخرى من مواقعها في سوريا، عبر قوافل عسكرية تزامنت مع عمليات النقل الجوية. كانت هذه العمليات تسير وفق خطة محكمة، حيث تم استخدام وسائل نقل متعددة، من بينها طائرات الشحن العسكرية الروسية والباخرات في مرفأ طرطوس، لنقل ضباط النظام وأفراد القوات الروسية المنسحبين بشكل تدريجي.

من الواضح أن العمليات كانت تتم على دفعات، تمهيدًا لتغيير جذري في المشهد العسكري والسياسي في سوريا. ووفقًا للمصادر، فإن عمليات النقل لم تتوقف على مدار الأسابيع الماضية، وكان الهدف منها ضمان بقاء هؤلاء الضباط بعيدًا عن الأنظار، وهو ما يؤكد أن روسيا تخطط لمستقبل مختلف في سوريا، بعيدًا عن النظام السوري الذي أصبح في نظر موسكو عبئًا ثقيلًا قد يشكل تهديدًا لمصالحها في المنطقة.

ومن جهة أخرى، لا يُستبعد أن هذه التحركات تهدف أيضًا إلى إخفاء الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري طوال سنوات الحرب الأهلية. إن روسيا التي تعمل على تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط لا تريد أن يُسحب البساط من تحت أقدامها في سوريا، ولذلك فإنها تسعى بشكل حثيث إلى حماية أولئك الضباط الذين قد يشكلون خطراً على مصالحها إذا تمت محاكمتهم دوليًا.

المفارقة الكبرى تكمن في أن أولئك الضباط الذين أُجبروا على الفرار هم الذين صنعوا آلة القتل التي أودت بحياة مئات الآلاف من السوريين. هم من أداروا المجازر في المدن والقرى، وهم من شاركوا في تدمير البنية التحتية، ولم يتورعوا عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. هؤلاء الضباط الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الإنسانية، يسعى النظام الروسي الآن إلى تهريبهم بعيدًا عن أعين العدالة الدولية، وكأنهم في مأمن من محاكمات قد تقضي عليهم.

وفي حين أن النظام السوري الذي فقد قبضته على السلطة، أصبح على حافة الانهيار، يظل المشهد الغامض لمصير هؤلاء الضباط يشير إلى أن النهاية لا تعني بالضرورة نهاية كاملة. لا يزال هناك العديد من الخيوط التي لم تكشف بعد، وهناك الكثير من الأسئلة التي تنتظر إجابات حول حقيقة النية الروسية في حماية هؤلاء الضباط وتقديمهم كبيادق في لعبة سياسية معقدة قد تكون على حساب سوريا وشعبها.

فإن ما يحدث في سوريا الآن من عمليات تهريب للضباط السوريين من قبضة العدالة يمثل فصلًا جديدًا من مسلسل الدم والدمار الذي لا ينتهي في هذا البلد. ما زال من غير الواضح ما إذا كانت هذه التحركات ستشكل بداية لحل أم ستزيد من تعقيد الوضع الراهن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى