تكشفت مجريات الأيام الماضية عن مذبحة إنسانية جديدة في سجون الاحتلال حيث استشهد أربعة أسرى فلسطينيين من قطاع غزة ليضافوا إلى سجل طويل من جرائم الاحتلال ضد الإنسانية ومنذ أقل من يوم تم الإعلان عن استشهاد أسير آخر لتسجل بذلك حصيلة الشهداء في 24 ساعة فقط خمسة أسرى في تصفية دموية مريعة ترقى إلى جريمة حرب تضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات الوحشية التي لا تتوقف عند حدود.
شهداء غزة الذين سقطوا هذا اليوم هم محمد رشيد عكه البالغ من العمر 44 عاماً، وسمير محمود الكحلوت الذي كان في الثانية والخمسين من عمره، وزهير عمر الشريف الذي تجاوز سن الـ 58 عاماً، ومحمد أنور لبد البالغ 57 عاماً، وهو ما يعكس جزءاً من المذبحة المنظمة التي يتعرض لها أسرى الحركة الفلسطينية في سجون الاحتلال.
ترتفع هذه الإحصائية الكارثية لتصل إلى 54 شهيداً من الأسرى الفلسطينيين منذ بداية العدوان الأخير، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحركة الأسيرة، ويستمر العدد في الارتفاع مع دخول الحصار والتعذيب الممنهج في قلب كل جريمة جديدة، وسط صمت دولي مريب لا يرقى إلى حجم الكارثة التي يمر بها المعتقلون الفلسطينيون.
الصور تتحدث عن نفسها، والمشاهد الصادمة التي يتعرض لها الأسرى في السجون هي جزء من سياسة إبادة جماعية لا تميز بين الأعمار ولا الجنسيات، بل تكشف بوضوح عن وجه الاحتلال الذي يدير حرب إبادة ممنهجة لا توقفها حدود ولا معايير إنسانية.
في هذا السياق تشير هيئة شئون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني إلى أن ما يحدث من زيادة في أعداد الشهداء من الأسرى ما هو إلا دليل جديد على أن الاحتلال ماضٍ في حملته القذرة من التصفية الجسدية، التي لا تفرق بين الكبير والصغير، ولا تراعي أيّ معيار إنساني. فالوقت يمضي والأعداد تتزايد والشهادات تتوالى لكن الاحتلال لا يكترث إلا لمواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
وتكمن خطورة ما يحدث في أن الأسير الفلسطيني لا يواجه فقط الموت الجسدي من خلال التعذيب الوحشي الذي يتعرض له داخل السجون، بل يواجه أيضاً تدميراً نفسياً لا يمكن تحمله، فالضغط المستمر والتعذيب المنهجي يجعل من الحياة في سجون الاحتلال جحيماً حقيقياً. إنها سياسة تدمير وتهديد للحياة بشكل متكامل، ولا تبقي للأسرى أي أمل بالنجاة أو بالعيش بأمان.
وعلى الرغم من هذه المأساة المتجددة، تواصل سلطات الاحتلال ممارسة سياسة الإخفاء القسري بحق المئات من الأسرى، وفي مقدمتهم الأسرى من قطاع غزة، الذين لا يعرف أحد مصيرهم في ظل غياب أيّ مراقبة أو محاسبة دولية. فحجم القمع الذي يمارسه الاحتلال تجاوز كل الحدود ليصل إلى مستويات غير مسبوقة من التنكيل بحق المعتقلين، بل إن هناك العديد من الحالات التي يُحتجز فيها الأسرى في ظروف صحية وصفت بأنها غير إنسانية على الإطلاق.
ما يحدث الآن ليس مجرد حرب على الأراضي، بل هو هجوم متواصل على البشر وتصفية منهجية لأرواح الفلسطينيين، واغتيال للحياة بكاملها داخل السجون. فمنذ اللحظة الأولى لاعتقال أي فلسطيني، يبدأ الاحتلال في تنفيذ خطط إعدام بطيء لا تشمل المحاكمات أو أي حقوق قانونية للأسير، بل يتم تنفيذ أحكام الإعدام بشكل عملي من خلال إغراق المعتقلين في ظروف غير إنسانية هدفها الرئيسي هو القضاء عليهم جسدياً أو نفسياً.
لقد حان الوقت للتوقف عن السكوت واللامبالاة تجاه هذه الجرائم المستمرة والتي لا تنتهي فصولها. حان الوقت لرفع الصوت عالياً والتنديد بسياسة الاحتلال القمعية التي تهدف إلى تدمير الإنسانية بأكملها داخل السجون، ويجب أن يعلم الجميع أن كل قطرة دم تسقط داخل الزنازين هي وصمة عار على جبين العالم بأسره.
وفي حين أن الاحتلال يواصل استفزازاته وسياسته الممنهجة في تصفية الأسرى، تبقى المقاومة الشعبية الفلسطينية هي السبيل الوحيد في مواجهة هذا العدو. وما لم يتوقف المجتمع الدولي عن تجاهل هذه الجرائم، فإن المزيد من الأرواح ستسقط في سجون الاحتلال، والعديد من الأمهات والآباء سيعيشون في ألم وحرمان لا ينتهي.
لقد تم كشف النقاب عن واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العالم، وهي مستمرة بشكل يومي، ولن يتوقف هذا النزيف الدموي حتى تنكشف الحقائق بالكامل ويتم تقديم المتورطين في جرائم الحرب إلى المحاكمة الدولية.