بدأت الحكومة في تنفيذ مخططها المدمر بإخلاء المباني الجامعية والنيلية في العاصمة، ضمن قرار صادم يعكس حجم التجاهل لمصالح المواطنين والطلاب في مختلف الجامعات.
بدأ جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة في إزالة المباني الجامعية وأندية هيئة التدريس بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى هدم حدائق عامة على ضفاف النيل، في خطوة غير مسبوقة تُهدد البنية الثقافية والتاريخية لمصر.
وعلى الرغم من محاولات نواب البرلمان وأساتذة الجامعات الضغط على الحكومة لوقف هذه الحملة، فإن محاولاتهم باءت بالفشل أمام الإجراءات الحكومية القاسية التي بدأت بالفعل.
لجأت الحكومة إلى حل غير عادل في محاولة لامتصاص الغضب الصادر عن القضاة بعد اعتراضاتهم على هذا القرار الكارثي. أمرت “أجهزة سيادية” بإخلاء حديقة “الفنون” العامة التي تمتد على 30 ألف متر مربع على ضفاف النيل في جزيرة “منيل الروضة”، وهو القرار الذي سيمكن الحكومة من البدء في بناء مقرات جديدة لأندية مجلس الدولة والنيابة الإدارية وأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة على مساحة 10 آلاف متر.
هذا القرار الذي يتطلب وقتاً لا يتجاوز ثلاثة أشهر لتنفيذه، يحمل في طياته تدميرًا شاملاً للحدائق التي لطالما كانت متنفسًا للمواطنين.
أصدرت الحكومة أيضًا قرارًا يسمح بتمديد إقامة طلاب كلية السياحة في جامعة حلوان في المنطقة حتى منتصف يناير المقبل، رغم أن المبنى، الذي يتكون من 7 طوابق ويشغل مساحة 25 ألف متر مربع، سيتم إزالته بالكامل، في حين سيتم نقل الكلية إلى حرم جامعة حلوان الذي يبعد 25 كيلومترًا عن القاهرة.
هذه الخطوة تشكل ضغطًا على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتُعد خطوة إضافية نحو القضاء على المساحات الجامعية في العاصمة.
شرعت الحكومة أيضًا في تنفيذ إزالة المنشآت التجارية في حديقة “أم كلثوم” العامة، مما أثار جدلًا واسعًا في صفوف الموظفين العاملين هناك. تم توزيعهم على خمس حدائق أخرى في مدينة نصر والحي الزمالك، مما يزيد من معاناتهم ويظهر التمادي في تدمير المساحات التي يعتاد المواطنون على الاستفادة منها.
وقد مُنحت الشركة الوطنية للأراضي التابعة لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة صلاحية إزالة المنشآت المقامة على 90 ألف متر مربع في خطوة تندرج ضمن عمليات التوسع العسكري على الأراضي النيلية.
وجهت مجموعة من برلمانيين وأساتذة الجامعات في جامعتي القاهرة وحلوان رسائل عاجلة إلى رئاسة الجمهورية، طالبوا فيها بوقف هذا القرار الذي يهدد مستقبلهم الأكاديمي.
غير أن الحكومة لم تلتفت إلى هذه الرسائل، واستمرت في تنفيذ خطتها بتهديد هدم المباني التابعة لناديي النيابة الإدارية وقضايا الدولة. هذا التوجه الحكومي بدأ بعد قرار صدر عام 2021، حيث تم نقل ملكية أراضي طرح النيل إلى جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، مما مهد الطريق لتحويل هذه الأراضي إلى مشروعات تنموية تحت إشراف الجيش، وهو ما يهدد بتدمير المرافق الجامعية والتنموية.
في عام 2021، أصدر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي القرار رقم 2637 لسنة 2020، الذي نص على نقل ملكية التصرف في أراضي طرح النيل إلى جهاز إدارة أراضي القوات المسلحة.
بموجب هذا القرار، أصبحت كافة الأراضي على امتداد نهر النيل من حلوان إلى شبرا مصر تحت إدارة القوات المسلحة، بالإضافة إلى 36 جزيرة نيلية تابعة للجيش، ما يعكس حالة من الاستيلاء العسكري على المساحات العامة التي لطالما كانت ملكًا للمواطنين.
استند جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة إلى القرار الجمهوري رقم 446 لسنة 2015، الذي منح الجيش صلاحيات واسعة في تكوين شركات مساهمة تابعة له، أو بالشراكة مع رأس المال المحلي والأجنبي، لإقامة مشاريع اقتصادية على الأراضي التي تم تحويل ملكيتها له.
وعلى الرغم من أن هذه المشاريع تُقدّم على أنها مشاريع تنموية، إلا أن الحقيقة المرة تكمن في محو معالم الأماكن التاريخية والثقافية التي كانت تمثل هويات جامعة كبيرة للأجيال.
تأتي هذه الإجراءات في وقت يشهد فيه المجتمع المصري حالة من الغضب الشعبي تجاه محاولات القضاء على المساحات التي تُمثل جزءًا من تاريخ البلاد.
تسعى الحكومة إلى تحويل هذه الأراضي إلى مشاريع تنموية ضخمة قد تُسهم في تحقيق الإيرادات، لكن الثمن الذي يدفعه المواطنون سيكون باهظًا. ما زال هذا القرار يواجه رفضًا مستمرًا من العديد من المواطنين والمثقفين والبرلمانيين الذين يطالبون بوقفه، إلا أن الحكومة تواصل إصرارها على تنفيذ المخطط الكارثي.
تستمر هذه الإجراءات الحكومية في تعميق الأزمة التي تعيشها القاهرة، وتحد من قدرة الأجيال القادمة على الاستفادة من المساحات الجامعية والتاريخية.
القرارات الأخيرة لا تحمل أي اعتبار لحقوق الأفراد أو المصلحة العامة، بل تنحو باتجاه استثمار الأراضي لصالح مشاريع تنموية ربما لا تخدم المجتمع بأسره. في النهاية، سيظل المواطنون يدفعون ثمن هذه السياسات الفاشلة التي تهدم أكثر مما تبني، وتسرق الهوية الثقافية والتاريخية التي تشكل أسس هذا المجتمع.