منذ أن أعلنت مصر عن بداية عصر الجمهورية في 1952 لم يعرف الشعب المصري بناء قصر رئاسي جديد يواكب تطلعات الأجيال القادمة ويعكس هيبة الدولة ويعزز مكانتها بين الأمم
فالشعب المصري الذي طالما افتخر بحضارته العريقة وتراثه الثري تم تحميله عبء تكلفة بناء القصور الفاخرة في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات اقتصادية خانقة وظروف معيشية تتدهور يوما بعد يوم فلم يكن الشعب يعلم حينها أن ما يتم بناؤه في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين سيكون تحفة فنية على حساب قوت الشعب ومستقبل الأجيال القادمة
يتجسد الواقع المرير في تزامن إعلان الرئيس السيسي عن بناء قصرين رئاسيين في مكانين استراتيجيين هما العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة ليغرق الشعب في مزيد من الديون والقروض لمجرد تلبية رغبات بناء صروح تافهة ليس لها مبرر منطقي سوى أنها تعكس صورة الزهو والفخفخة أمام الأجيال القادمة التي تنتظر حياة كريمة ومستقبل أفضل لكن بدلا من أن تعيش تلك الأجيال في رفاهية استدعى الأمر أن يزداد العبء المالي على الشعب المصري حتى أصبح إرثا تاريخيا يلاحقهم
إن الإعلاميين الذين أبدعوا في تغطية تلك الأحداث أعطوا القصور الرئاسية الجديدة بُعدا فنيًا وحضاريًا يدّعون أنه يعكس عظمة مصر ويحتفل بتاريخها وتراثها على الرغم من أن هذا كله يبقى مجرد خدعة دعائية في نهاية المطاف لا تساوي شيئا أمام معاناة المصريين الذين باتوا يواجهون جحيمًا من الأسعار المرتفعة وظروف معيشية مريرة تتفاقم كل يوم ليعيشوا في ظل قصور رئاسية تعكس أرقى مستويات الحياة الفاخرة بعيدًا عن حياة الشعب المقهور
أحمد موسى، أحد الإعلاميين البارزين في مصر، كان له رأي خاص حول بناء القصر الرئاسي الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة فقد صرح قائلاً إن القصر الرئاسي هو تحفة فنية تمثل عظمة حضارة مصر وتاريخها الذي يمتد لآلاف السنين
ويضيف أن القصر لا يمثل فقط خطوة نحو المستقبل بل يحمل رؤية جديدة للمستقبل المشرق الذي يتطلع إليه المصريون لكن هذا الكلام المليء بالوعود لا يعكس الواقع المرير الذي يعيشه المواطن المصري فكيف يمكن بناء قصر ضخم بينما يعاني ملايين المصريين من الجوع والفقر؟
كيف يمكن ادعاء أن القصر هو رمز للحضارة في حين أن الحضارة الحقيقية هي في تعزيز حقوق الإنسان وتوفير حياة كريمة للمواطنين؟ تلك الأسئلة التي ظلت دون إجابة لأن المشروع لا يعدو كونه حلماً فارغًا من محتواه
مصطفى بكري، الإعلامي الشهير، قال هو الآخر أن تلك المشروعات التي يتم تدشينها حاليا هي صورة مصر وحاضرها ومستقبلها، مشيراً إلى أن القصور الرئاسية ستكون شاهداً على فخامة الدولة المصرية وحرصها على الارتقاء بكل جوانب الحياة لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه المشاريع تظل مجرد أفكار غير واقعية لا تلبي احتياجات الشعب المصري الذي يطالب بالحصول على تعليم جيد ورعاية صحية متميزة وفرص عمل، في الوقت الذي تنفق فيه الحكومة مليارات الجنيهات على بناء تلك القصور بينما الشعب يرزح تحت عبء الضغوط الاقتصادية
أما نشأت الديهي، الإعلامي المثير للجدل، فقد اعتبر أن القصر الرئاسي الجديد هو خطوة كبيرة نحو الرفعة والمجد وأنه سيظل إرثا للأجيال القادمة لتعتز به ولكن هل فعلاً سيكون هذا القصر إرثًا مهمًا للأجيال القادمة في وقت يعاني فيه الناس من تفشي البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار العملة؟ هل ستكون هذه القصور شهادة على تقدم مصر بينما يعاني الشعب من واقع مرير؟ القصور قد تبقى رمزا للفخامة لكن لا يمكن أن تكون إرثا للأجيال إذا لم تتمكن الدولة من تحسين حياة مواطنيها
إذًا، هل نحن أمام حقيقة أن مصر أصبحت تمتلك قصورًا رئاسية ولكنها تفتقر إلى أدنى مستويات الحياة الكريمة؟ هل تعكس تلك المشاريع الفخمة صورة مصر الحقيقية؟ ماذا عن ملايين المصريين الذين يعانون بسبب السياسات الاقتصادية التي تركز على الإنفاق على مشاريع بلا قيمة حقيقية؟ أسئلة عديدة تبقى دون إجابة في ظل واقع مرير يعيشه المواطن المصري الذي يطمح لتحسين وضعه الاقتصادي ورفاهيته في ظل نظام لا يركز على احتياجاته الحقيقية
إن القصور الرئاسية التي يتم بناؤها هي مجرد مظاهر فارغة من المعنى العميق التي تحتاج إليها مصر في هذه المرحلة، وهي مجرد محاولة لتجميل صورة النظام في الداخل والخارج لكننا نعلم جميعا أن المستقبل الذي يبنى على أسس غير صلبة لن ينجح في النهاية فماذا بعد هذه القصور الفاخرة؟ هل سيستمر المصريون في دفع فاتورة هذه الرفاهية التي لا تمس حياتهم اليومية؟ إن الشعب المصري يستحق أكثر من مجرد مشاريع رمزية تُبنى على حساب جيوبه وأحلامه التي تلاشت في دوامة الفقر والبطالة
فإن إرث الأجيال لن يكون في تلك القصور الفخمة بل سيكون في قدرة مصر على التغلب على أزماتها الاقتصادية وتوفير حياة كريمة لجميع مواطنيها فإذا كان الهدف من بناء هذه المشاريع هو إثبات القوة والقدرة على التغيير فإنها ستكون مجرد انعكاس زائف بعيد عن واقع الشعب الحقيقي