في خطوة مفاجئة وفي وقت غير مناسب، دفعت الحكومة المصرية باتجاه إقرار قانون المسؤولية الطبية، الذي يهدد بمستقبل الأطباء في البلاد ويهدد النظام الصحي برمته.
تقدم الحكومة بهذا القانون، مدعية أنه سيضمن محاسبة الأطباء في حال ارتكابهم أخطاء طبية. ولكن هذا القانون جاء ليغرق النظام الطبي في كارثة، بينما بدأ الشارع يضج بالرفض القوي من نقابات الأطباء ومختلف الأحزاب السياسية.
ترى نقابة الأطباء أن القانون الجديد يشكل خطراً حقيقياً على مهنة الطب ويُعد خطوة مدمرة للمجتمع الطبي، في حين أن الحكومة تواصل دفع هذا المشروع بقوة، مدعية أن من شأنه تحسين أداء الأطباء والمستشفيات، لكنها تتجاهل الحقائق الجلية أن هذا القانون سيمهد لظروف مهنية متدهورة ومعاملات غير إنسانية بحق الأطباء، في وقت يعاني فيه القطاع الطبي من نقص حاد في الأطباء نتيجة الهجرة الجماعية إلى الخارج.
إصرار الحكومة على تمرير القانون في هذا الوقت العصيب، في ظل غياب أي نوع من الحوار الجاد مع النقابات المعنية، يدق ناقوس الخطر ويزيد من الشكوك حول نوايا الحكومة الحقيقية. سيخلق هذا القانون بيئة عمل محفوفة بالمخاطر على الأطباء، وسيجعلهم في دائرة الخوف الدائم من الملاحقات القضائية والعقوبات، ما سيؤدي إلى نتائج كارثية على صعيد تقديم الخدمات الصحية.
في المقابل، تواصل نقابة الصحفيين التعبير عن مخاوفها من أن يؤدي هذا القانون إلى المزيد من “النزيف المهني” داخل القطاع الطبي، حيث يعتقد الكثير من الصحفيين أن هذا القانون سيشجع الأطباء على الهجرة أكثر مما هو عليه الآن، بحثاً عن بيئات عمل أقل تهديداً وأكثر احتراماً لحقوقهم. كما أن غياب أي ضمانات حقيقية للأطباء ضد الملاحقات القانونية سيزيد من فقدانهم لثقتهم في النظام الصحي المحلي.
من جهتها، كانت نقابة المهندسين حريصة على الإعلان عن دعمها الكامل للأطباء في مواجهة هذا القانون المثير للجدل. أكدت النقابة أن موقف الأطباء في رفض هذا القانون هو موقف عادل ومشروع، وأن المسؤولية في فساد النظام الصحي لا ينبغي أن تقع على عاتق الأطباء وحدهم. إذ أنه من المعروف أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر سلباً في النظام الصحي، مثل نقص الإمكانيات، وعدم كفاية الدعم اللوجستي، وسوء البنية التحتية، ما يجعل تحميل الأطباء المسؤولية الكاملة عن الوضع الصحي في البلاد أمرًا غير منطقي وغير عادل.
أما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي فقد أعلن موقفًا واضحًا وقويًا في رفضه لهذا القانون، وأكد على أن المسألة لا تتعلق فقط بالجانب الطبي، بل بما هو أوسع من ذلك، حيث اعتبر أن القانون يسعى لتحميل الأطباء المسؤولية عن فساد النظام الصحي في مصر، وهو فساد طالما كان نتيجة للسياسات الحكومية غير السليمة في مجال الصحة. الحزب يرى أن هذا القانون سيزيد من معاناة الأطباء وسيؤدي إلى المزيد من الضغوط عليهم في ظل الأوضاع الصعبة التي يواجهونها.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي لم يكن أقل حدة في موقفه، حيث رفض هو الآخر القانون بشدة، محذرًا من أن هذا التشريع سيدفع الأطباء إلى الامتناع عن معالجة الحالات الخطرة خوفًا من الوقوع في أخطاء قد تكلفهم حريتهم أو حياتهم المهنية. الحزب يرى أن ما يحدث هو محاولة لتوجيه أصابع الاتهام نحو الأطباء وتقديمهم كبش فداء للمشاكل العميقة التي يعاني منها القطاع الصحي في مصر.
موقف الأطباء والنقابات والحركات السياسية ضد قانون المسؤولية الطبية يعكس حالة من الغضب والاستنكار لما يراه الجميع مشروعًا كارثيًا. في حين تتمسك الحكومة برؤيتها، تدرك النقابات والأحزاب أن تمرير هذا القانون سيكون له آثار خطيرة على النظام الصحي في مصر ويزيد من تدهور الوضع الطبي في البلاد.
إن هذا القانون يمثل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الأطباء في مصر، ولن يكون تأثيره محصورًا في الأطباء فحسب، بل سيمتد ليطال المرضى الذين سيعانون من نقص في الكوادر الطبية نتيجة لإجراءات الحكومة غير المدروسة. الوضع الذي سيترتب عليه هذا القانون سيكون قاتلاً، إذ سيتوقف الأطباء عن تقديم الرعاية الصحية المناسبة في حالات الطوارئ، وستتضاءل الفرص للعلاج في المستشفيات الحكومية، وسيتدهور حال القطاع الصحي بشكل غير مسبوق.
إن هذا المشروع لا يعد إلا حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي تفشل في معالجة جوهر المشكلة، بل تضاعفها بشكل كبير. في وقت تسعى فيه الدول إلى تحسين ظروف العمل للأطباء، والاعتراف بتضحياتهم، يأتي هذا القانون ليضيف مزيدًا من العبء عليهم، في وقت كانوا فيه بأمس الحاجة للدعم، وليس للقمع والتهديد.
إذا كان الهدف من القانون هو تحسين الأداء الطبي، فإنه بذلك يحقق العكس تمامًا، إذ سيؤدي إلى تدهور كبير في جودة الرعاية الصحية في مصر، وسيزيد من معاناة الأطباء الذين يعملون في ظروف قاسية وبإمكانيات محدودة.