دأب الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب الجرائم البشعة دون أن يرف له جفن. فجر اليوم، وفي مشهد كارثي لا يصدق، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدداً من المرضى الذين كانوا في طريقهم للحصول على العلاج في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
أوقفت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف التي كانت تحمل المرضى في شمال القطاع، وعلى متنها عشرة مرضى، في انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والإنسانية.
وبدلاً من تقديم الرعاية الصحية لهم، تم إلقاء القبض على أربعة منهم، فيما كان أحدهم في حالة صحية حرجة للغاية. فهل أصبح المرضى في غزة هدفاً مشروعاً للاحتلال؟
لم تتوقف الفظائع عند هذا الحد. بل إن الهجوم على مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، الذي يعد أحد أبرز المرافق الطبية في المنطقة، يمثل جريمة جديدة في سلسلة طويلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى.
كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في تصريح غير مسبوق أنه لن يسمح بعودة هذا المستشفى للعمل مجدداً، مشيراً إلى أنه سيواصل مراقبة أنشطة مستشفى الأندونيسي في بيت لاهيا.
وادعى الاحتلال أنه قد نجح في قطع الاتصال بين مدينة غزة وشمال القطاع. ولكن الحقيقة أن تلك التصريحات ليست سوى محاولة يائسة لتغطية جريمة حرب جديدة، حيث يتم استهداف المنشآت الصحية بشكل ممنهج.
فقد أظهرت التقارير الطبية أن العدوان على مستشفى كمال عدوان خلف دماراً واسعاً في بنيته التحتية، ما يضاعف من معاناة المرضى الذين باتوا بين مطرقة القصف وسندان الاعتقالات. فإلى أين سيذهب هؤلاء المرضى في ظل منع الاحتلال لهم من الوصول إلى العلاج؟
وفي محاولة لرفع الحرج عن نفسه، يواصل الاحتلال تبرير انتهاكاته اليومية بحق المدنيين في غزة، متجاهلاً في الوقت ذاته الإدانة العالمية لهذه الجرائم.
لكن الذي يثير الصدمة أكثر هو الصمت الدولي الذي يكتنف هذا العدوان. أين هي ردود الفعل الدولية؟ لماذا لا تتحرك المنظمات الدولية والحقوقية للتصدي لهذه الانتهاكات؟ لماذا يغض العالم الطرف عن الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة؟
وكان الأزهر الشريف قد أدان، في بيان له، صمت المجتمع الدولي إزاء ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وأكد الأزهر أن ما يحدث في مستشفى كمال عدوان من استهداف للمرضى والأطباء هو جريمة حرب مكتملة الأركان.
واستنكر الأزهر بشدة اعتقال الأطباء والمسعفين، وإجبارهم على خلع ملابسهم، في عملية اختطاف وحشية تفتقر إلى أبسط معايير الإنسانية. واعتبر الأزهر أن استهداف المنشآت الطبية والمرضى هو عمل لا يمكن أن يصدر عن أي دولة ذات قيم إنسانية، بل هو عمل إرهابي بكل المقاييس.
إن ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه تصعيد غير مسبوق في سياسة القتل والتدمير. لم تعد المسألة تتعلق بالاحتلال العسكري فقط، بل باتت حرباً على الإنسانية بأكملها.
فالمستشفيات لم تعد أماكن آمنة للمرضى، بل أصبحت هي الأخرى هدفاً للتدمير والإغلاق على يد الاحتلال. إن ما تعرض له مستشفى كمال عدوان من استهداف مباشر وإحراق ليس إلا جزءاً من حملة منظمة لقتل الأمل في قطاع غزة.
أما على الصعيد المحلي، فإن الوضع لم يعد يحتمل الصمت. إن التحديات الصحية التي تواجه غزة أصبحت أكبر من أي وقت مضى، إذ تعاني المستشفيات من قلة الموارد والطاقم الطبي، في ظل الهجمات المتواصلة عليها.
ومع منع الاحتلال وصول الإمدادات الطبية، فإن المصابين والمرضى يعانون في صمت لا ينتهي. ورغم ذلك، يواصل القطاع الصحي في غزة معركته اليومية لإنقاذ الأرواح، لكن قلة الإمكانيات تواجه هذا الجهد النبيل.
تستمر قوات الاحتلال في استهداف كل ما يمت للإنسانية بصلة في قطاع غزة. لم يعد هناك مجال للشك في نية الاحتلال التي لا تهدف إلا إلى قتل الأمل وتدمير كل شيء، بما في ذلك حق الفلسطينيين في الحصول على العلاج والعناية الصحية.
إن هذه الجرائم تشكل تحدياً صارخاً للقيم الإنسانية ولكل القوانين الدولية التي تحظر استهداف المدنيين والمرضى. ومع ذلك، لا يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي سيكتفي بتلك الجرائم، بل يسعى لتعميق معاناة الشعب الفلسطيني بكل وسيلة ممكنة.
فأن الاحتلال يراهن على صمت العالم وعدم محاسبته على جرائمه المستمرة، لكن الحقيقة أن هذه الجرائم لن تمر دون حساب. فالتاريخ لا ينسى، والشعب الفلسطيني لن يقبل بأن تمر هذه الجرائم دون عقاب. والحرية والعدالة قادمة، مهما طال الزمن، وسيتذكر العالم يوماً هذا الاحتلال الذي ارتكب أبشع الجرائم ضد الإنسانية.