جورجيا تدخل العام الجديد بصراع على السلطة بين رئيسين
تبدأ جورجيا العام الجديد بتحديات سياسية كبيرة، حيث يتنازع على رئاستها رئيسان متنافسان، الرئيسة السابقة سالومي زورابيشفيلي التي انتهت ولايتها لكنها ترفض التخلي عن منصبها، والرئيس المنتخب حديثًا ميخائيل كافيلاشفيلي الذي تم تنصيبه من قبل الهيئة الانتخابية التي يسيطر عليها حزب “الحلم الجورجي”. يتمسك كل من الطرفين بشرعيته في مواجهة الآخر، مما يُدخِل البلاد في أزمة سياسية حادة تهدد مستقبلها السياسي والجيوسياسي.
تبدأ زورابيشفيلي الهجوم على حزب “الحلم الجورجي” الذي يقود الحكومة الحالية وتوجه له إنذارًا صريحًا. تدعو الحزب إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتؤكد أنها إذا لم تتم الاستجابة لهذا المطلب، فإنها ستبذل كل جهدها للإطاحة بالحزب الحاكم. تعلن الرئيسة المنتهية ولايتها أنها لن تترك منصبها بسهولة، مشيرة إلى أن الانتخابات التي أُجريت غير شرعية ولم تُجرى بطريقة نزيهة. تؤكد زورابيشفيلي أن ولايتها انتهت رسميًا اليوم الأحد لكنها لن تغادر الساحة السياسية حتى يتم تصحيح الوضع.
يتصاعد التوتر بين الرئيسة المنتهية ولايتها والحكومة، حيث تقول المعارضة أن ميخائيل كافيلاشفيلي، الذي تم انتخابه حديثًا، لا يمتلك الخبرة ولا السيرة الذاتية المناسبة لتولي منصب رئيس الدولة. تزداد الانتقادات بعد انتخابه ليصبح الرئيس السادس في تاريخ جورجيا، حيث تعتقد المعارضة أن انتخابه سيؤدي إلى زيادة التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد. يتم دعم كافيلاشفيلي من قبل حزب “الحلم الجورجي” ورئيسه الفخري الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو ما يزيد من تعقيد الصراع الدائر.
يتحكم حزب “الحلم الجورجي” بمفاصل الدولة منذ فوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 26 أكتوبر الماضي، ويرى كثيرون أنه يسعى لتكريس سيطرته على البلاد من خلال فرض رئيس جديد يتماشى مع سياساته. يحافظ الحزب على خطاب مؤيد للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو”، إلا أن سياساته الداخلية تُظهر انحرافًا تدريجيًا عن المسار الأوروبي. تعكس هذه السياسات تبني الحزب لتشريعات توصف من قبل المعارضة بأنها مشككة في التوجه الغربي ومؤيدة بشكل غير مباشر لروسيا، مما أثار حفيظة شرائح واسعة من الشعب والمعارضة.
تزداد التوترات في الشارع الجورجي على خلفية هذه السياسات المتناقضة، حيث يرفض الكثيرون السياسات الداخلية والخارجية التي يتبناها الحزب الحاكم. ينظم المحتجون مسيرات واعتصامات للمطالبة بتغيير المسار السياسي والعودة إلى السياسات المؤيدة بشكل واضح لأوروبا والغرب. يحاول حزب “الحلم” تبرير هذه السياسات بأن الهدف منها هو الحفاظ على القيم الثقافية والتقاليد الجورجية، إلا أن هذا التبرير لم ينجح في تهدئة المعارضة ولا الشارع الغاضب.
تتعمق الأزمة السياسية في جورجيا بسبب انقسام البلاد بين رؤية تميل نحو الغرب وأخرى تتجه نحو الشرق. تصر المعارضة على أن حزب “الحلم” يسعى لجعل البلاد تحت نفوذ موسكو من خلال تبني سياسات موالية لروسيا بشكل غير مباشر، وهو ما يعكسه رفض الحزب لإجراء الإصلاحات التي تطلبها بروكسل من أجل انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يرفض الحزب هذه الاتهامات ويؤكد على ضرورة تبني سياسات تحافظ على هوية البلاد واستقلالها عن التأثيرات الخارجية، سواء كانت من الغرب أو من الشرق.
يعكس الصراع الحالي في جورجيا مواجهة أوسع بين التيارات المؤيدة للغرب وتلك التي تدعو إلى التحالف مع روسيا. يصبح الصراع الجيوسياسي بين هذه القوى أكثر وضوحًا، حيث يبدو أن البلاد باتت عالقة بين الرغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو. يتوقع المراقبون أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا إضافيًا في الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، خصوصًا مع دخول جورجيا مرحلة حساسة من تاريخها السياسي.
تتمحور الأزمة أيضًا حول قدرة حزب “الحلم الجورجي” على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، حيث يسعى الحزب إلى تعزيز موقفه كقوة سياسية رائدة في البلاد. على الرغم من دعمه القوي من قبل رئيسه الفخري الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، إلا أن المعارضة لا تزال تمتلك قاعدة شعبية قوية تجعل من الصعب على الحزب فرض سيطرته المطلقة دون مواجهة مقاومة عنيفة.
تتصاعد التوترات بشكل خطير مع كل يوم يمر، ويبدو أن البلاد تقف على مفترق طرق حاسم. يتوقع المراقبون أن تحدد نتائج الصراع الحالي مصير جورجيا على المدى الطويل. إما أن تنجح المعارضة في تحقيق تغيير جذري ينقل البلاد إلى مسار غربي أو يستمر حزب “الحلم” في توجيه البلاد نحو نهج أكثر تحفظًا قد يؤدي إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا.
تظل الأمور غير واضحة حتى الآن، لكن ما هو مؤكد أن العام الجديد في جورجيا سيبدأ بأزمة سياسية لم تشهدها البلاد من قبل، أزمة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل البلاد وعلاقاتها الدولية. سيحدد الصراع بين الرئيسين والنزاع الحزبي مستقبل جورجيا السياسي، وسيترك أثرًا كبيرًا على توجهها الجيوسياسي في السنوات المقبلة.