قصور الثقافة تواصل إهدار المال العام وتغطية الفساد بإدارة الرحلات والفسح المشبوهة
تستمر الهيئة العامة لقصور الثقافة في إهدار المال العام بشكل فجّ، حيث تحولت إداراتها من القيام بمهامها الرقابية إلى ممارسة رحلات ونزهات على حساب الدولة، مخفية الحقائق ومتسترة على جرائم نهب الأموال، وكل ذلك تحت مسميات زائفة للتحقيق والتفتيش.
أصبح الهدف الحقيقي لتلك الرحلات هو إضفاء غطاء رسمي على فساد صريح تديره أيادٍ معروفة داخل الهيئة.
بدأت أولى هذه النزهات في إقليم جنوب الصعيد الثقافي حيث توجهت بعثة مشبوهة لفحص مخالفات قام موقع “أخبار الغد” بنشرها ضمن سلسلة فضائح الفساد المستشري بالهيئة العامة لقصور الثقافة على مدار عدة أشهر، غير أن الواقع يكشف أن الأمر برمته كان مجرد غطاء للتنزه وقضاء أوقات ممتعة في الفنادق الفاخرة دون تحقيق أي نتائج فعلية.
لم يغادر أعضاء اللجنة الفندق في يومهم الأول إلا في ساعات متأخرة مساءً فقط لزيارة شكلية لأحد قصور الثقافة في الأقصر لتدوين تقارير وهمية تُظهر أنهم قاموا بمهامهم.
في اليوم الثاني، خرجت اللجنة ظهرًا للقيام بزيارة صورية أخرى، هذه المرة إلى قصر ثقافة حسن فتحي، بحجة فحص سرقة كابل كهربائي.
لكن الحقيقة كانت واضحة، إذ لم يتم إشراك أي مهندس أو فني مختص في هذا الفحص، وتم دفن الواقعة تحت ستار الفساد المعتاد الذي تحترفه هذه الإدارة، حيث يجري إخفاء أي جريمة تستهدف المال العام بإجراءات شكلية ومهزلة إدارية متقنة.
هذه الإدارة التي لم تترك شيئًا إلا وتدخلت فيه لتغطية السرقات والجرائم، حتى تخصصت في دفن الحقائق كما يدفن الموتى.
وفي اليوم الثالث، توجهت اللجنة إلى قصر ثقافة نجع حمادي لفحص مخالفة تتعلق بصرف رواتب موظف مفصول منذ عامين.
لكن هذه الفضيحة لم تكن جديدة على اللجنة، فقد سبق للرئيس أن فحصها في مايو 2024، وأحالها بالفعل إلى النيابة الإدارية.
ورغم ذلك، جرى التلاعب من جديد وإعادة فتح القضية دون أي مبرر قانوني أو إداري، في محاولة واضحة لطمس الحقائق وإغلاق الملف نهائيًا.
ثم جاء اليوم الرابع، حيث استمر تظاهر اللجنة بالتحقيق في المخالفات، لكن هذه المرة في عقود صيانة بعض المواقع.
رغم أن الفساد الحقيقي تم نشره على نطاق واسع في موقع “أخبار الغد“، حيث تبين أن المقاولين استخدموا مواد رديئة في التنفيذ بالتواطؤ مع بعض المسؤولين، إلا أن اللجنة تجاهلت ذلك بشكل كامل وركزت فقط على تفاصيل شكلية لا تمت للمشكلة الحقيقية بأي صلة.
كان الهدف الوحيد هو طمس الحقائق وتوفير غطاء قانوني لاستمرار نهب الأموال، دون محاسبة أي من الأطراف المتورطة.
وبالرغم من نشر موقع “أخبار الغد” العديد من المخالفات المتعلقة بالمكافآت الوهمية التي تم صرفها للعاملين، لم تكلف اللجنة نفسها عناء فحص هذه الجرائم، التي تمثلت في سحب المكافآت من بعض الموظفين بصورة غير قانونية، وصرف مكافآت أخرى وصلت إلى خمسة آلاف جنيه لعدد من العاملين في مناسبات متكررة على مدار العامين الماضيين.
هذا الفساد المستشري لم يحرك ساكنًا لدى اللجنة، التي تواطأت مع الفاسدين لتجاهل الفحص أو حتى ذكره في تقاريرها، في فضيحة جديدة تضاف لسجل الإهمال المتعمد.
أما من ناحية الإهدار الفاضح للمال العام، فلم يكن وجود اللجنة في إقليم جنوب الصعيد سوى واجهة لتبرير إقامة خمسة أيام في فندق فاخر، حيث تكبدت الدولة مصاريف الإقامة الكاملة مع وجبات من مطعم خاص بالمخالفة للعقود الموقعة مع الفندق، علاوة على مصاريف الانتقالات من القاهرة إلى الأقصر، مما كشف النقاب عن الهدف الحقيقي لهذه الرحلة النزهة والاستمتاع على حساب ميزانية الدولة.
رغم وجود أعضاء مختصين داخل الإقليم كانوا قادرين على القيام بمهام الفحص، تم تجاهلهم تمامًا لإتاحة الفرصة للرئيس والمرافقين له لقضاء رحلة مدفوعة الأجر بالكامل على نفقة الدولة.
وفي مشهد يعكس حجم الفساد المتغلغل في الهيئة، رُفض طلب اللجنة في البداية من قبل بعض المسؤولين الذين أكدوا أن وجودها في الأقصر يمثل إهدارًا صارخًا للمال العام، لكن تم تجاهل هذه التحذيرات والاعتراضات بعد تدخل شخصيات نافذة في الهيئة.
هذه الشخصيات تواطأت بشكل علني لتمرير الرحلة رغم عدم ضرورتها، مع علمهم الكامل بأن كل المخالفات التي زُعم فحصها ستكون مطموسة ولن تظهر أي نتائج فعلية.
والأمر الأكثر فظاعة، هو أن هذا النهج ليس جديدًا. هذه الإدارة التي حولت مكاتبها إلى مقرات لتدخين السيجار الفاخر وتنفيذ الأوامر بتلاعب واضح في مستندات المقاولات، حيث تُعطى الأولوية للمقاولين المفضلين
بينما يتم تجاهل استمارات المقاولين الآخرين وفقًا لمصالح شخصية بحتة. كل هذا يحدث في العلن، بدون أدنى رقابة، وسط تواطؤ كامل من الجهات المسؤولة داخل الهيئة.
إضافة إلى كل ذلك، جرى تعيين أفراد غير مؤهلين في مناصب حساسة تتطلب خبرة وتخصصًا دقيقًا، حيث تم تجاهل اللوائح والقوانين التي تشترط أن يكون المراجع المالي حاصلًا على مؤهلات في المحاسبة.
تم تجاوز هذه الشروط لتعيين أفراد تربطهم علاقات شخصية مع المسؤولين، مما يعكس حجم الاستهتار والإهمال في التعامل مع أموال الدولة.
وبالتالي، بات من الواضح أن هذه الهيئة تحولت إلى وكر للفساد والإهمال، حيث يتم إهدار المال العام في رحلات ونزهات تحت غطاء مزيف من المهام التفتيشية.
وبدلًا من محاسبة المسؤولين، يجري التستر عليهم وتقديم الحماية لهم، مما يثير تساؤلات جادة حول متى سيتم اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذا الإهدار المستمر.
كل ما يحدث في هذه الهيئة يعكس الفوضى المطلقة والفساد المنظم الذي لا يعرف حدًا. سرقة المال العام باتت مكشوفة وواضحة للجميع، لكن دون محاسبة أو مساءلة