تولى الدكتور محمد شاكر منصب وزير الكهرباء والطاقة في فبراير 2014، ومنذ تلك اللحظة وحتى إقالته في الأشهر الماضية، ظل هناك لغز غريب يتعلق بالعلاقة بينه وبين المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، الذي لم يتوصل أحد من المحيطين بالوزير، سواء من العاملين في مكتبه أو حتى الخبراء المختصين في قطاع الكهرباء، إلى تفسير لهذه العلاقة، التي كانت تثير تساؤلات عديدة.
ورغم أن الوزير كان يشغل منصب أستاذ جامعي في مجال الكهرباء، كما كان مالكاً لأحد أكبر مكاتب الاستشارات الهندسية المتخصصة في مجالات الكهرباء، إلا أن الجميع استغربوا من أنه كان يتصرف كمتفرج، منفذاً لتعليمات رئيس الشركة القابضة دون أي اعتراض أو إبداء رأي، في مشهد لم يكن له مثيل طوال سنوات عمله في القطاع.
السر وراء بقاء جابر دسوقي في منصبه
مؤخراً، تمكننا من خلال التحقيق الذي أجريناه والمستندات التي حصلنا عليها، من كشف السر وراء هذه العلاقة الغريبة بين الوزير ورئيس الشركة القابضة، حيث تبين أن المكتب الاستشاري “شاكر جروب” المملوك للوزير كان يعمل على تنفيذ العديد من العمليات داخل محطات كهرباء شمال الجيزة وبنها، في إطار تحالف (كونسورتيوم) يضم شركات دايو وهيونداي للصناعات الثقيلة، إضافة إلى المكتب الاستشاري لشركة شاكر كمقاول من الباطن.
وعلى الرغم من أن هذا التفسير قد يبدو معقولاً في البداية، فإن الأمور بدأت تتطور إلى تجاوزات خطيرة عندما تولى الدكتور شاكر منصب الوزارة.
التأخيرات الخطيرة وتجاوزات غرامات التأخير
شهدت مشاريع محطات الكهرباء التي تديرها هذه الشركات تأخيرات جسيمة في التنفيذ، تجاوزت المدة المحددة في العقود بشكل ملحوظ.
وقد كان من المفترض وفقاً للأنظمة المعمول بها في وزارة الكهرباء، توقيع غرامات تأخير على الشركات المتأخرة بما يعادل أكثر من 50 مليون جنيه، إلا أن المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة للكهرباء، تدخل في سابقة لم تحدث من قبل، وأصدر أوامر شفوية بالتغاضي عن هذه الغرامات، مما يعد خرقاً فاضحاً للائحة الموحدة للعقود والمشتريات التي تحكم جميع الشركات التابعة للشركة القابضة.
القرار المتناقض
كانت هذه القرارات صادمة بشكل خاص في ظل وجود تأخيرات استمرت لعدة سنوات في تنفيذ المشاريع التي تشرف عليها هذه الشركات، وقد تم تجاهل جميع الإجراءات المعتادة التي يتم اتباعها عند تأخر أي شركة عن موعد تسليم مشروعاتها.
وتوضح المستندات التي حصلنا عليها أن العقد رقم 10063CP104، الذي يخص حوش المفاتيح جهد 500 كيلو فولت و200 كيلو فولت في محطة توليد شمال الجيزة، شهد تأخيرات استمرت لعدة سنوات. فقد أظهرت التقارير من استشاري المشروع، شركة “بجسكو”، المملوكة سابقاً للدكتور حسن يونس، وزير الكهرباء الأسبق، أن التأخيرات كانت تؤثر بشكل مباشر على تاريخ تسليم المحطات.
قيمة غرامات التأخير
بحسب الحسابات الأولية، بلغ إجمالي أيام التأخير في تنفيذ المشروع 1456 يوماً. وبافتراض أن قيمة غرامة التأخير عن كل يوم تأخير تتراوح حوالي 5000 دولار، فإن إجمالي المبلغ الذي كان من المفترض أن يتم فرضه على الشركات المتأخرة يتجاوز 50 مليون جنيه، وهو مبلغ كان من المفترض أن يُخصم من الشركات، لكن تم إلغاؤه بالكامل بقرار من المهندس جابر دسوقي.
مستندات تحسم الأمر
وتشير المستندات التي تم الحصول عليها إلى أن العاملين في المكتب الاستشاري لشركة شاكر قد كانوا حاضرين في اجتماعات متابعة تنفيذ المشروع، مثل طاهر النعمان، عصام عبد الشافي، عبد الحميد نافع سالم، خالد سليمان، علي أبو عاشور، وكلهم كانوا جزءاً من الفريق الذي شارك في عملية متابعة هذا المشروع.
ورغم وجود لائحة موحدة للعقود والمشتريات، التي تفرض غرامات تأخير في حال عدم التزام الشركات بالتسليم في المواعيد المتفق عليها، فقد تم تجاهل هذه الإجراءات تماماً عند التعامل مع الشركات التي يملكها الوزير شخصياً.
المعلومات السرية التي تم تسريبها
لكن الكارثة الأكبر لم تكن فقط في إلغاء غرامات التأخير، بل أيضاً في الطريقة التي تم بها التعامل مع المعلومات الحساسة المتعلقة بقطاع الكهرباء.
فقد أصر الدكتور محمد شاكر، منذ توليه الوزارة، على الحصول على نسخ ورقية وأخرى على أقراص (CD) لكل ورقة يتم إدخالها للوزارة، سواء كانت تتعلق بمحطات الكهرباء أو بيانات الشركات أو المناقصات والعروض المقدمة من المستثمرين.
وقد أدهش هذا الطلب جميع العاملين في الوزارة، حيث لم يكن يتم الاحتفاظ بهذه النسخ في مكتب الوزير، بل كان الوزير يحتفظ بها لنفسه، مما أثار شكوكاً كبيرة حول نية الوزير في استغلال هذه المعلومات الشخصية في المستقبل.
نقل المعلومات لشركات الوزير الخاصة
وتبين أن هذه البيانات والمعلومات كانت تُنقل بشكل غير رسمي إلى مجموعة “شاكر جروب” الاستشارية المملوكة للوزير، وكان الهدف من هذا النقل هو تمهيد الطريق لاستخدام هذه البيانات عند انتهاء فترة الوزير في منصبه، بحيث يعود مرة أخرى للعمل مع شركاته الاستشارية في مجال الكهرباء والطاقة. وهذا يتناقض مع مبدأ الشفافية والحوكمة الذي يجب أن يتمتع به أي وزير في الحكومة.
الفضائح تكشف فسادًا مستشريًا في الوزارة
مع مرور الوقت، بدأ يظهر تأثير هذا الفساد بشكل واضح على قطاع الكهرباء، حيث تسببت هذه التصرفات في هدر كبير للمال العام. وبالرغم من أن هذه الفضائح لا تمثل سوى جزء من القصة، إلا أن التحقيقات أظهرت أن الوضع قد يكون أسوأ مما تم الكشف عنه حتى الآن.
كان الوزير الأسبق يلتزم الصمت عن هذه الممارسات رغم اتساع دائرة الانتقادات التي طالت إدارته للقطاع. وفي ظل هذه الظروف، كان من المفترض أن تقوم الجهات المختصة بمحاسبة الوزير وجميع المتورطين في هذه الجرائم الاقتصادية التي تهدد استقرار الكهرباء في البلاد.
التساؤلات تلاحق الوزير الجديد
ينتظر الآن قطاع الكهرباء في مصر الإجراءات التي سيتخذها الوزير الجديد، الدكتور محمود عصمت، للرد على ما تم الكشف عنه من تجاوزات وفضائح في عهد الوزير الأسبق.
إذا ثبتت صحة هذه التحقيقات، فإن الأمر يتطلب تحركًا عاجلاً لإعادة بناء الثقة في وزارة الكهرباء، وتصحيح المسار. ويأمل الكثيرون أن يقوم الوزير الجديد بإجراء تحقيقات شفافة وعادلة، تسهم في استعادة حقوق الدولة وإعادة ضبط الأوضاع.
التوقعات المستقبلية لقطاع الكهرباء
على الرغم من الجهود التي قد يبذلها الوزير الجديد، فإن ما حدث في عهد الوزير الأسبق قد ترك أثارًا صعبة على قطاع الكهرباء. من المرجح أن تكشف التحقيقات المستقبلية عن المزيد من التفاصيل بشأن كيفية استغلال الوزير الأسبق للمال العام والمعلومات السرية التي كانت في حوزته.
في ظل هذه الظروف، يجب على الحكومة أن تواصل جهودها لاستعادة الثقة في القطاع، وأن تُظهر للجميع أن هناك محاسبة جادة لكل من يخالف القوانين ويستغل منصبه لأغراض شخصية.
قد يتطلب هذا الوقت والجهد لإعادة الأمور إلى نصابها، ولكن يجب على الحكومة أن تُظهر للمواطنين أن الإصلاحات ستحدث بجدية، وأن الفساد لن يُغض الطرف عنه بعد اليوم.