كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات، العديد من المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية في شركة وسط الدلتا لإنتاج الكهرباء، مما أدى إلى فضح ممارسات الإدارة العليا وإبراز الاستقالات الجماعية للعاملين في قطاع الكهرباء، بجانب تسريب المازوت الذي تسبب في تلويث مياه النيل بمحافظة أسيوط.
أوضح التقرير أن الإدارة العليا في شركة وسط الدلتا لإنتاج الكهرباء قد حصلت على مبالغ ضخمة من الحوافز بشكل مخالف للقواعد المتبعة، حيث بلغت جملة مرتبات هذه الإدارة خلال أربعة أشهر فقط، من يوليو 2024 وحتى أكتوبر من نفس العام، حوالي 20 مليون جنيه. وكشف التقرير عن أن المديرين العامين ورؤساء القطاعات بالشركة يحصلون على حوافز بنسب تتراوح بين 50% و62.5% من الأجر الشامل، في حين يحصل باقي العاملين بالشركة على حوافز بنسبة أقل بكثير، تحسب فقط من الأجر الأساسي، دون البدلات.
صرف الحوافز بلا سند قانوني: تؤكد إدارة مراقبة الحسابات بالجهاز المركزي للمحاسبات أن صرف الحوافز للإدارة العليا من الأجر الشامل لا يستند إلى أي تعليمات واضحة، وهو ما يتعارض مع لائحة العاملين بالشركة المعتمدة بقرار الجمعية العمومية رقم 217 لسنة 2007. وقد أظهر التقرير أن هذا التباين في معايير صرف الحوافز يؤدي إلى ازدواجية واضحة في التعامل بين فئات العاملين داخل الشركة، حيث يُصرف للإدارة العليا على أساس الأجر الشامل، بينما يقتصر صرف الحافز لبقية العاملين على الأجر الأساسي فقط.
وطالبت إدارة المراقبة بتحديد المسؤولين عن هذه المخالفات، وإجراء حصر شامل للأموال المصروفة بطريقة غير قانونية. ومع ذلك، تشير الأدلة إلى تجاهل الشركة القابضة لكهرباء مصر وجميع الشركات التابعة لها لهذه التقارير الرقابية، ما يعكس استمرارية هذه الممارسات دون أي تصحيح أو محاسبة.
استقالات جماعية من صندوق الرعاية: وفي شأن آخر، شهد قطاع الكهرباء استقالات جماعية من صندوق الرعاية للعاملين، وذلك في شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء. بلغت نسبة الاستفادة من الصندوق 54% فقط من إجمالي الاشتراكات المدفوعة طوال مدة الخدمة، وهو ما أثار استياء العاملين. أوضح أحد موظفي شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، أنه حصل في نهاية خدمته على 54% فقط من المبلغ الذي تم خصمه من راتبه على مدار سنوات خدمته كاشتراك في الصندوق، وهو ما اعتبره غير عادل.
وأضاف أن صندوق الرعاية الذي يفترض أن يوفر الحماية للعاملين بعد التقاعد، لا يحقق هذا الهدف. بل إنه بالكاد يوفر نصف المبالغ التي تم خصمها من راتب العامل خلال سنوات خدمته، فيما تذهب باقي الأموال إلى مصروفات إدارية غير مبررة، يستفيد منها أعضاء مجلس إدارة الصندوق.
وتبلغ القروض التي حصل عليها أعضاء مجلس إدارة الصندوق نحو 30 مليون جنيه في العام الحالي، وهو ما زاد من استياء العاملين. بل إن تلك القروض يتم وضعها في الحسابات الشخصية لأعضاء المجلس للاستفادة من أرباحها البنكية. والأكثر صدمة، هو قرار رئيس مجلس إدارة الصندوق بزيادة نسبة الخصم إلى 16.5%، ما دفع الآلاف من العاملين إلى تقديم استقالاتهم الجماعية من الصندوق احتجاجاً على هذه الإجراءات غير المنصفة.
تسريب المازوت وتلوث مياه النيل: وفي قضية بيئية خطيرة، كشف التقرير عن تسرب كميات من المازوت من محطة الكهرباء البخارية بمنطقة الحمراء في أسيوط إلى مياه النيل، مما أدى إلى إغلاق شركة مياه الشرب في أسيوط لتسع محطات مياه في مراكز متعددة مثل القوصية وديروط ومدينة أسيوط. شملت المحطات المغلقة أيضاً محطات منقباد، وبهيج، والطوابية في الفتح، وأبنوب، ومحطة مرشحات المعابدة ومنفلوط، كإجراء احترازي لضمان سلامة المياه.
قامت الشركة بتشغيل محطات المياه الارتوازية كبديل مؤقت عن محطات التحلية المغلقة لحين التأكد من نقاء المياه. وأكدت المعامل التابعة للشركة سحب عينات بصفة مستمرة من أمام المحطات لفحص جودة المياه وضمان خلوها من التلوث.
وبالتوازي مع ذلك، أوقفت محطة كهرباء أسيوط وحدة المازوت لتحديد مكان التسرب والحد من حجم الكارثة البيئية. استدعت الشركة عددًا من الغطاسين للبحث عن مصدر التسرب تحت الماء، كما استعانت بسيارات الشفط التابعة لشركة المياه لسحب بقعة المازوت التي انتشرت في نهر النيل، محاولة للحد من تأثير التسريب على البيئة المائية والمجتمعات المحلية التي تعتمد على مياه النهر.
استنتاجات التقرير الرقابي: يكشف التقرير الرقابي للجهاز المركزي للمحاسبات عن مشهد متكامل من الفساد الإداري والمالي داخل شركة وسط الدلتا لإنتاج الكهرباء، بدءاً من صرف الحوافز بصورة غير قانونية لصالح الإدارة العليا، مروراً بإدارة غير شفافة لصندوق الرعاية للعاملين بقطاع الكهرباء، وصولاً إلى الإهمال البيئي الذي نتج عن تسرب المازوت في أسيوط. ويؤكد التقرير أن هذه المخالفات قد وقعت دون رادع، في ظل تجاهل الجهات المسؤولة لتقارير الجهاز المركزي، واستمرار الوضع على ما هو عليه.
على الرغم من هذه التجاوزات الخطيرة، لم تتخذ الشركات المعنية، ولا وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، أي خطوات جادة لمعالجة المشكلات المطروحة في التقرير. ومع استمرار الاستقالات الجماعية للعاملين من صندوق الرعاية، وتلوث مياه النيل نتيجة تسرب المازوت، تبدو الأوضاع في قطاع الكهرباء بحاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية، وتدخل حكومي عاجل لإنقاذ القطاع من أزماته المتعددة.
مطالبات وإجراءات عاجلة: دعا التقرير الرقابي إلى محاسبة المسؤولين عن التجاوزات المالية في شركة وسط الدلتا لإنتاج الكهرباء، وإعادة هيكلة صندوق الرعاية للعاملين بقطاع الكهرباء لضمان عدالة توزيع الموارد وتحقيق الأمان المالي للعاملين بعد التقاعد. كما طالب بإجراء تحقيق عاجل حول تسرب المازوت من محطة كهرباء أسيوط وتقييم حجم الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن الحادث.
وشددت إدارة مراقبة الحسابات بالجهاز المركزي للمحاسبات على ضرورة اتباع توصياتها والتزام الشركات التابعة لوزارة الكهرباء بالطريقة الصحيحة في صرف الحوافز والامتناع عن اتخاذ أي قرارات مالية غير مدعومة بقوانين أو تعليمات واضحة. كذلك طالبت بزيادة الشفافية والمساءلة في إدارة صناديق الرعاية الاجتماعية للعاملين، وإشراك العاملين في اتخاذ القرارات المتعلقة بتلك الصناديق.
يبرز التقرير حجم الفساد والإهمال الذي يعاني منه قطاع الكهرباء في مصر، ويدق ناقوس الخطر أمام الجهات الرقابية والحكومية لتصحيح الأوضاع. في ظل استمرار هذه التجاوزات، يبقى السؤال معلقاً حول مدى جدية الجهات المختصة في اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية، ومعاقبة المتسببين في هذه التجاوزات التي لا تمس فقط الأمان المالي للعاملين، بل تمتد إلى البيئة والصحة العامة.