فضيحة مدوية: إهدار 18 مليار جنيه وتعطيل 65 مصنعًا للمستلزمات الطبية
تكبدت مصر خسائر بمليارات الدولارات نتيجة لتوريد مستلزمات طبية فاسدة ورفضت وزارتا الصناعة والصحة تحمل المسؤولية عن هذا الملف الشائك.
وبينما تبادل الوزارتان الاتهامات، تضررت سمعة الصناعة المحلية وتراجعت الصادرات بشكل كبير. بدأت الأزمة بظهور مشكلات في أكياس الدم غير المطابقة للمواصفات وتلوث فلاتر الغسيل الكلوي، إلى جانب استخدام أمبولات بلاستيكية ملوثة، مما أدى إلى توقف العمل في بعض المصانع وتعرض صحة المواطنين للخطر.
تتهم الأوساط الصناعية وزارة الصحة بعرقلة مسيرة العمل في قطاع المستلزمات الطبية من خلال رفض إعطاء الموافقات اللازمة لتجديد تراخيص المصانع. ونتيجة لهذا الوضع، يسعى بعض المصنعين إلى استخدام طرق غير قانونية للمشاركة في المناقصات العامة.
إذ بدون الموافقات اللازمة من وزارة الصحة، لا تتمكن الشركات من دخول المناقصات، ما يعمق الأزمة ويضعف قدرة المصانع المحلية على المنافسة في السوق. وتفاقمت الأمور بعد قضية أكياس الدم، حيث يرفض المسؤولون في وزارة الصحة التوقيع على أية مستندات خوفاً من المساءلة.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تشير البيانات إلى وجود أكثر من 140 مصنعاً مسجلاً، و5 آلاف شركة ومحال تجارية تعمل في مجال توريد المستلزمات الطبية سواء المحلية أو المستوردة، باستثمارات تصل إلى حوالي 18 مليار جنيه مصري.
ورغم أن هذه الصناعة المصرية تعد الأكبر من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الحوادث الأخيرة أثرت بشكل كبير على سمعتها، وأدت إلى توقف الكثير من صفقات التصدير، حيث كانت قيمة الصادرات السنوية لهذه الصناعة قد تجاوزت 800 مليون دولار قبل أن تتوقف نتيجة لهذه الفضائح.
على الرغم من أن صناعة المستلزمات الطبية بدأت في مصر بشكل رسمي منذ عام 1982، عندما افتتح الرئيس الأسبق حسني مبارك أول مصنع للسرنجات بمدينة نصر، إلا أن الوضع الحالي للمصانع يعاني من عدم الاستقرار.
حيث كانت هذه الصناعة تغطي حوالي 70% من احتياجات السوق المصرية وتوفر فرص عمل لأكثر من 400 ألف شخص. ومع ذلك، يعاني القطاع الآن من اضطراب شديد، حيث توقفت العديد من المصانع عن العمل نتيجة للعراقيل التي تضعها وزارة الصحة.
أكد رئيس شعبة المستلزمات الطبية في الغرفة التجارية بالقاهرة أن الوزارة تقوم بتضخيم الشكاوى المتعلقة ببعض المنتجات بشكل غير معقول، مما يعرقل سير العمل.
وعلى الرغم من أن القطاع يحتاج إلى دعم وتسهيلات، فإن الإدارات المعنية بوزارة الصحة تعرقل سير العمل بطرق “مستفزة”، كما يحدث في لجنة السياسات الدوائية المسؤولة عن إصدار الموافقات الاستيرادية.
ويوضح رئيس الشعبة أن هذه اللجنة تقوم بتغيير شروط الموافقات دون إخطار الشركات والمصانع مسبقاً، كما أنها لا تحترم الوثائق الصادرة عن إدارة الصيدلة بزعم أنها غير دقيقة.
يتهم المصنعون اللجنة أيضاً بأنها تتعامل بشكل سيئ مع المتقدمين للحصول على الموافقات، حيث يتم رفض بعض المنتجات بطرق غير مبررة، وتُمنح الموافقات لاستيراد منتجات مشبوهة بأوراق مزورة.
أحد أعضاء مجلس إدارة شعبة المستلزمات الطبية في اتحاد الصناعات أكد أن البيروقراطية في وزارة الصحة زادت بعد أزمة أكياس الدم، حيث بات الحصول على تراخيص المنتجات شبه مستحيل.
ونتيجة لهذا التباطؤ في منح التراخيص، توقفت الكثير من المصانع عن العمل، ويُقدر عدد المصانع التي توقفت بأكثر من 65 مصنعاً بسبب رفض الوزارة تجديد التراخيص.
في الوقت نفسه، تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في هذا القطاع في النظام غير الواضح والمتناقض الذي تتبعه وزارة الصحة في التعامل مع المنتجات المحلية والمستوردة.
فعلى الرغم من أن بعض المنتجات المحلية تحصل على شهادات اعتماد دولية مثل “Ce mark” اللازمة للتصدير إلى أوروبا، إلا أن الوزارة لا تزال تفرض تكاليف باهظة على هذه المنتجات، رغم أنها تُباع داخل السوق المحلية.
تشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من المستلزمات الطبية المستوردة تدخل السوق المصرية بأوراق وشهادات مزورة، مما يؤدي إلى دخول منتجات غير موثوقة إلى السوق المحلية. وتزيد هذه المنتجات المعيبة من حدة الأزمة الصحية في البلاد، إذ تعجز الوزارة عن فحص جميع المنتجات بشكل دقيق.
وتبرز قضية الفساد والرشاوى كأحد الأسباب الرئيسية وراء هذه المشكلة، حيث تورطت شخصيات بارزة في وزارة الصحة، مثل الوزيرة السابقة الدكتورة هالة زايد، في قضايا تتعلق بتقاضي رشاوى بلغت قيمتها 5 ملايين جنيه مقابل تسهيل إجراءات ترخيص لمستشفيات خاصة.
وتستمر أزمة أكياس الدم في التفاقم، حيث تمتد الآثار السلبية إلى المنتجات الأخرى مثل الأمبولات البلاستيكية، والتي لم يتم تسجيل بعضها في وزارة الصحة رغم أنها تُستخدم في السوق المحلية.
وتعاني المصانع المحلية أيضاً من مشكلات تتعلق بالحصول على الموافقات اللازمة للتوسعات والتجديدات، حيث ترفض وزارة الصحة إعطاء الموافقة على هذه الطلبات، مما يؤدي إلى توقف المصانع عن العمل.
لعبت هيئة المواصفات والجودة دوراً في محاولة تنظيم صناعة المستلزمات الطبية، حيث وضعت 300 مواصفة قياسية تغطي مختلف القطاعات.
ورغم هذا الجهد، لا يزال هناك الكثير من العقبات التي تواجه الصناعة، مثل عدم التوافق بين المواصفات المصرية والدولية في بعض الأحيان، وتأخر عمليات التفتيش والمراقبة من الجهات المعنية.
فيما يتعلق بعمليات التفتيش، تُشدد وزارة الصحة على أنها الجهة المسؤولة عن فحص المنتجات والمصانع، حيث تقوم إدارة التفتيش الصيدلي بأخذ عينات من المنتجات وإرسالها للتحليل للتأكد من مطابقتها للمواصفات.
وفي حال عدم المطابقة، يتم تحريز المنتجات وتدميرها، مع فتح تحقيقات في المصانع المسؤولة. ورغم هذه الإجراءات، لا تزال هناك العديد من المنتجات الفاسدة تدخل السوق عبر وسائل غير مشروعة.
وفي ضوء هذه الأزمات المتتالية، تتزايد المخاوف من أن يستمر التدهور في قطاع المستلزمات الطبية، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة وسريعة من قبل الحكومة لضبط السوق وتنظيمه.
وتشير التوقعات إلى أن استمرار هذه الفوضى سيؤدي إلى المزيد من الخسائر، سواء من الناحية الاقتصادية أو الصحية.
على الرغم من أهمية قطاع المستلزمات الطبية، إلا أن عدم وجود رقابة كافية وعدم وضوح المسؤوليات بين الوزارات المختلفة يزيد من تعقيد المشكلة.
وفي ظل استمرار الفضائح المتعلقة بالمنتجات الطبية غير المطابقة للمواصفات، يُحذر الأطباء والخبراء من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه، خاصة مع ظهور مشكلات جديدة تتعلق بمنتجات طبية أخرى مثل العدسات اللاصقة، التي تباع بشكل غير قانوني في الأسواق وتتسبب في أضرار صحية خطيرة.
ويبدو أن أزمة المستلزمات الطبية في مصر لن تنتهي قريباً، ما لم تتخذ السلطات خطوات حاسمة لضبط الفوضى، ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، وتحديد المسؤوليات بشكل واضح بين الوزارات والجهات الرقابية المختلفة.