تقاريرمصر

القاهرة بالأمر المباشر: تخصيص الأراضي بـ 0.5 جنيه والمتر اليوم بـ 10 آلاف جنية

أصدرت الدولة المصرية، وبأمر مباشر، قرارات بهدم مباني القاهرة، سواء العشوائية أو غير العشوائية، ضمن ما وصفته بـ”مشروعات التطوير” .. فهدمت العديد من المناطق السكنية لصالح مشروعات تطويرية كانت الحجة فيها تحسين البنية التحتية.

في المقابل، أُجبر السكان على مغادرة أماكنهم، بينما تم تخصيص أراضيهم لمستثمرين كبار، في مقدمتهم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، إلى جانب مستثمرين من الإمارات والسعودية.

وكانت الحصيلة أن المواطنين فقدوا منازلهم، بينما تمّ بيع الأراضي لصالح كبار المستثمرين، ومنهم من استفاد بفضل قرارات مباشرة تخلّت فيها الدولة عن حقوقهم لصالح مشروعات تجارية هائلة.

دُمّرت المناطق السكنية، وأُجبر السكان على مغادرتها تحت تهديد قرارات الإزالة لصالح مشاريع توسعة الطرق وإنشاء الجسور، والتي شملت مشاريع ضخمة مثل “مثلث ماسبيرو” و”جزيرة الوراق” و”أرض الحكمة” و”عجيبة”.

بينما تم تخصيص أراضٍ لصالح رجال الأعمال، بما في ذلك هشام طلعت مصطفى، الذي يملك مشروع “مدينتي”. هذا المشروع، الذي بدأ بتخصيص أراضٍ بمتر مربع واحد بنصف جنيه، أصبح اليوم رمزًا للفساد والاستغلال.

فحتى اليوم، وبعد مرور نحو 14 عامًا على إتمام المشروع، لا يزال يُذكر بقوة “كيلو الأوطة (الطماطم) بعشرة جنيهات”، وهو الهتاف الذي يجسد الفارق الاقتصادي الكبير بين أسعار الخضروات وأسعار الأراضي في المشروعات الفاخرة، حيث يبلغ سعر المتر في مشروعات مثل مدينتي أرقامًا خيالية بينما يعاني المواطنون من ضيق الحياة.

تم إفقار السكان الأصليين لصالح هذه المشروعات التي أنشئت بأوامر مباشرة دون أي مراعاة لاحتياجاتهم أو هويتهم الاجتماعية والثقافية. دفعت بعض العائلات إلى الانتقال إلى مناطق بعيدة عن وسط القاهرة، دون أي دعم اجتماعي أو ثقافي يناسبهم.

أما البعض الآخر فتم دفعه للتنازل عن وحداته السكنية مقابل ثمن زهيد لا يتناسب مع قيمة الأرض أو الوضع الاجتماعي لهم. كان يتم الإعلان عن تلك المشاريع بأرقام ضخمة، في حين كانت نتائجها كارثية على الطبقات الفقيرة.

تم تخصيص ميزانيات ضخمة لمشروعات النقل التي قوبلت بالعديد من الانتقادات. كان أبرز تلك المشاريع هو “القطار الكهربائي محدود الركاب”، الذي كلف خزينة الدولة ملايين الجنيهات، بينما لم يلمس المواطن البسيط أي تحسن في خدمات النقل العامة.

بل أصبحت المساحات العامة الصغيرة، التي كانت متنفسًا للبسطاء، تختفي تدريجيًا لصالح مشروعات عقارية كبرى تستفيد منها فئة محدودة.

بينما كانت القاهرة تشهد زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية، مثل الطماطم التي وصل سعر الكيلو منها إلى عشرة جنيهات، كان الأمر المثير للسخرية هو تخصيص الأراضي لمشروعات عقارية ضخمة ترفع أسعارها إلى مستويات غير معقولة.

فمشروع “مدينتي”، الذي يمتلكه هشام طلعت مصطفى، بدأ بتخصيص أراضٍ بأسعار منخفضة للغاية، بينما أصبح اليوم واحدة من أكبر المشروعات السكنية الفاخرة التي يمتلكها رجال الأعمال.

في الوقت الذي كان يُسجل فيه سعر متر الأرض في هذه المشاريع بنصف جنيه، كانت الأراضي العشوائية تُزال لصالح تلك المشاريع التي استفاد منها عدد قليل من الأثرياء.

استمرت عملية تخصيص الأراضي للأثرياء، بما في ذلك لمشروعات أخرى مثل “مثلث ماسبيرو”، و”جزيرة الوراق”، و”أرض الحكمة” و”عجيبة”، بأوامر مباشرة، ما أثار التساؤلات حول كيفية منح الدولة أراضٍ بأسعار زهيدة لمستثمرين كبار، في حين كانت تهمش حقوق المواطنين الفقراء.

يبدو أن مشروعات التطوير التي جرت في القاهرة لم تكن تهدف إلى خدمة المواطنين، بل كانت عبارة عن صفقات عقارية تحقق أرباحًا ضخمة للمستثمرين، بينما كان المواطنون يدفعون ثمن ذلك من خلال إفقارهم وتشريدهم من أراضيهم.

بقيت تلك المشروعات التي تم تخصيص الأراضي لها بأوامر مباشرة، بمثابة فائدة للمستثمرين العقاريين، في وقتٍ كان فيه المواطنون يعانون من قسوة الحياة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار.

إذ يستمر الواقع المزري في القاهرة بتقديم صورة متناقضة تمامًا لما كان يُروج له من “تنمية وتطوير”. قد يكون السؤال الأهم الآن: من المستفيد؟

المستفيد من هذه المشروعات هو بالتأكيد ليس المواطن البسيط، بل هو فئة محدودة من رجال الأعمال والمستثمرين، الذين حصلوا على الأراضي بأسعار بخسة، بينما تم تهجير السكان الأصليين في ظل غياب أي استراتيجيات اجتماعية تراعي حقوقهم.

بينما يزداد غلاء الحياة اليومية في القاهرة، تواصل المشروعات الكبرى التي تُنفذ بأوامر مباشرة، لتترك آثارًا سلبية على الفئات الأكثر احتياجًا.

لقد أصبح واضحًا أن منافع مشاريع التطوير كانت موجهة فقط إلى فئات معينة، بينما تم التضحية بحقوق الناس العاديين.

أصبحت الأوامر المباشرة في تخصيص الأراضي شكلًا من أشكال الاستغلال السياسي والاقتصادي، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول كيفية تصحيح هذه السياسات وتنظيم المشروعات في المستقبل بما يخدم الصالح العام ويحفظ حقوق المواطنين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى