الإحتلال يستدعي سفير الفاتيكان بعد انتقادات البابا لحرب الإبادة في غزة
في خطوة مثيرة للجدل تهز الأوساط الدولية استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفير الفاتيكان لدى تل أبيب بعد التصريحات القوية والمثيرة التي أطلقها البابا فرانسيس بخصوص الوضع الإنساني في قطاع غزة الحرب التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والتي وصلت إلى حد وصفها بالإبادة الجماعية للمدنيين في القطاع. هذه الخطوة الإسرائيلية تبرز حجم الإحراج السياسي والدبلوماسي الذي تعيشه الدولة المحتلة على الساحة الدولية بعد أن أصبحت قضية غزة محط اهتمام عالمي متزايد وعاجل.
إن التصريحات التي أدلى بها البابا فرانسيس هي بمثابة صفعة على وجه السياسات الإسرائيلية وتكشف إلى أي مدى أصبحت الممارسات الإسرائيلية في غزة محط إدانة شديدة من قبل أكبر رمز ديني في العالم. البابا لم يتردد في تحميل الاحتلال المسؤولية عن معاناة المدنيين الفلسطينيين في القطاع مؤكداً أن الوضع الإنساني في غزة وصل إلى مستوى “خطير جداً” وأن ما يحدث هناك هو فظائع تتناقض مع أبسط قواعد الإنسانية. بل ذهب إلى أبعد من ذلك في دعوته للمجتمع الدولي بضرورة التدخل بشكل عاجل لوقف ما وصفه بـ “حرب الإبادة” التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.
وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تلقت الانتقادات بشكل غير مسبوق أبدت رد فعل عنيفاً تجاه هذه التصريحات، مؤكدة أن تصريحات البابا غير مقبولة وأنها تمثل تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية لإسرائيل. في خطوة غير متوقعة، استدعت الوزارة السفير الفاتيكاني لدى تل أبيب، وجاء هذا الاستدعاء ليعكس حجم الأزمة الدبلوماسية التي تواجهها إسرائيل بعد التصعيد الأخير في غزة، وتكشف عن انزعاج شديد من المستوى السياسي الإسرائيلي تجاه هذه الانتقادات الدولية.
ورغم محاولات الاحتلال المتكررة لتبرير أفعاله في غزة، إلا أن البابا فرانسيس لم يتراجع عن موقفه، بل شدد على ضرورة الوقف الفوري للأعمال العسكرية ووقف تدمير المنازل والمستشفيات والمرافق المدنية. لقد أشار البابا بوضوح إلى أن الهجمات العشوائية على المدنيين، والتي أسفرت عن مقتل المئات من النساء والأطفال، هي بمثابة جريمة ضد الإنسانية تتطلب محاسبة دولية. موقف البابا جاء في وقت حساس للغاية، حيث تتزايد المطالبات الدولية بوقف العمليات العسكرية على الفور وفتح ممرات إنسانية لإغاثة المتضررين.
الحرب المستعرة في غزة جعلت القضية الفلسطينية أكثر سخونة على الساحة الدولية وأصبحت محور نقاشات في كل المحافل العالمية من الأمم المتحدة إلى الفاتيكان. في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإسرائيلية التلاعب بالخطاب الإعلامي وتقديم نفسها كمحارب ضد الإرهاب، باتت الأنظار تتوجه إلى الانتهاكات الصارخة التي تمارسها ضد المدنيين في غزة. مع استمرار تصاعد القصف الجوي والبحري على القطاع، باتت جميع الدعوات الدولية تتوالى من أجل وقف هذه المجزرة الإنسانية بأسرع وقت ممكن.
لكن على الرغم من الضغوط الدولية، يبدو أن إسرائيل ماضية في حملتها العسكرية في غزة ولا تكترث بمواقف المجتمع الدولي. هذا التصلب في المواقف يكشف عن إصرار الاحتلال على استكمال ما بدأه، مع تجاهل تام للأصوات التي تدعو إلى الوقف الفوري للقتال. ومن هنا تأتي أهمية تصريحات البابا فرانسيس الذي وصف الوضع بـ “الكارثي” محذرًا من أن ما يحدث قد يؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في المنطقة بأكملها.
الانتقادات البابوية تأتي في وقت حساس للغاية، حيث يزداد القلق من تدهور الوضع بشكل كارثي في غزة، في ظل تقارير تشير إلى مئات القتلى يوميًا وإصابة آلاف آخرين، بالإضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من منازلهم بسبب القصف المستمر. ومن هنا يطرح السؤال الكبير: هل ستستطيع القوى الدولية ممارسة الضغط الكافي على إسرائيل لوقف الحرب أم أن الاحتلال سيواصل سياسته الإجرامية؟
مواقف الكنيسة الكاثوليكية التي تمثل صوتًا عالميًا قويًا في هذا الصراع تشكل تحديًا حقيقيًا لإسرائيل. فمنذ بداية الحرب في غزة، لم تقتصر الإدانة على البابا فرانسيس فقط، بل امتدت إلى العديد من المنظمات الدولية والدول التي بدأت تنضم إلى الحملة الدولية المطالبة بوقف العدوان. إن هذه المواقف تشير إلى أن الموقف الدولي قد بدأ يتغير في اتجاه انتقاد الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، وتطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الضغط الدولي سيلعب دورًا في إحداث تغييرات حقيقية على الأرض.
ولكن إسرائيل، كما يبدو، ليست في عجلة من أمرها للانصياع لتلك الضغوط. في حقيقة الأمر، فإن التصعيد العسكري قد يحقق أهدافًا سياسية إسرائيلية طويلة الأمد، على الأقل في نظر بعض المسؤولين العسكريين. وبينما تتصاعد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، فإن الموقف الإسرائيلي يظل ثابتًا في المضي قدما في حملتها العسكرية، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا وشراسة.
هذه الأزمة قد تكون نقطة تحول كبيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد تفتح الطريق لمزيد من التدخلات الدولية التي قد تغير المعادلة السياسية القائمة. في هذا السياق، يظهر دور الفاتيكان، ومعه الكنيسة الكاثوليكية، كأحد أبرز القوى التي تحاول إحداث تغييرات حقيقية في مسار هذا الصراع الدموي المستمر.