تكشف الحكومة المصرية عن خطوة كارثية تقودها وزارة البترول والثروة المعدنية، تكمن في زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنسبة 17% اعتبارًا من يناير 2025.
هذه الزيادة تأتي في وقت يشهد فيه قطاع الطاقة المصري تراجعًا مقلقًا في قدراته الإنتاجية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات ضخمة حول السيادة على موارد الطاقة ومستقبلها في ظل هذا التوجه الذي يضع مصر في دائرة التبعية المستمرة.
تكثيف الاعتماد على الغاز الإسرائيلي
تسعى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” لزيادة كميات الغاز المستوردة من إسرائيل بحوالي 170 مليون قدم مكعبة يوميًا.
يثبت هذا التوجه أن الحكومة تتعمد تقليص الاعتماد على مصادر الغاز المحلية، وهو ما يعكس بوضوح ضعف القدرة على تأمين احتياجات الطاقة المحلية من داخل الحدود. في وقت كانت فيه مصر تطمح إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ها هي تسير نحو إدامة هذا التبعية الواضحة لإسرائيل، ما يثير القلق بشأن تأثيره على مستقبل القطاع.
انخفاض مفاجئ في تدفقات الغاز الإسرائيلي
بلغت تدفقات الغاز الإسرائيلي الأسبوع الماضي مليار قدم مكعبة يوميًا، لكنها تراجعت هذا الأسبوع إلى 980 مليون قدم مكعبة يوميًا.
رغم هذا التراجع الطفيف، تتوجه وزارة البترول نحو رفع هذه التدفقات إلى 1.15 مليار قدم مكعبة يوميًا في يناير 2025، وهي خطوة تؤكد أن قطاع الغاز المصري سيظل رهينًا لمصادر خارجية في الوقت الذي كانت فيه الأمال تراهن على تطوير الاحتياطات المحلية.
تجاهل الغاز المصري لصالح الواردات
أضافت وزارة البترول خلال النصف الثاني من 2024 أكثر من 300 مليون قدم مكعبة يوميًا عبر مشروعات تطوير حقول الغاز المصرية، لكن هذه الزيادة لا تكفي لسد الفجوة بين الطلب المحلي والإنتاج.
ما يعزز ذلك هو استمرار الاعتماد على الغاز الإسرائيلي كحل أساسي لاحتياجات السوق المحلي. رغم أن المشاريع المحلية يمكن أن تسهم في تعزيز الإنتاج، إلا أن هذا الحل لم يعد كافيًا في مواجهة الطلب المتزايد، ما يترك مصر في حالة تبعية متزايدة.
صفقة 2020 تُسجل نقطة تحول خطيرة
تمت أولى صفقات استيراد الغاز من إسرائيل في 2020، في صفقة ضخمة قيمتها 15 مليار دولار بين شركات “نوبل إينرجي” و”شيفرون” و”ديليك دريلينج” من جهة وشركة “دولفينوس” القابضة من جهة أخرى.
هذه الصفقة التي كانت بداية مرحلة جديدة من اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، ظلت مثار جدل واسع، حيث يراها الكثيرون خطوة نحو تفريط في السيادة الوطنية على مصادر الطاقة. صفقة لم تكن فقط كارثية على المستوى الاقتصادي بل ألقت بظلالها السياسية على العلاقة بين مصر وإسرائيل.
احتكار الغاز في يد الشركات الأجنبية
تستمر شركات متعددة الجنسيات في السيطرة على احتياطيات الغاز المصري، حيث تمثل “شيفرون” و”ديليك دريلينج” الأذرع الرئيسية المسيطرة على الإنتاج المحلي.
هذه الشركات لا تحقق مصلحة وطنية حقيقية، بل تضع الثروات الطبيعية المصرية في قبضة قوى خارجية. هذا الوضع يزيد من حجم المخاطر التي يواجهها القطاع، حيث تصبح موارد الغاز تحت رحمة الشركات الأجنبية التي تفرض شروطها على الاقتصاد الوطني، ويزداد خطر تفاقم أزمة الطاقة في المستقبل.
التبعية تتزايد
تواصل الحكومة اتخاذ خطوات تشير إلى مزيد من الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، وهو ما يعزز فكرة أن مصر باتت تعتمد على الخارج لحل أزمة الطاقة المحلية.
ورغم الحديث عن تعزيز الإنتاج المحلي، إلا أن التدفقات القادمة من إسرائيل تظل هي الأمل الوحيد الذي تتعلق به الحكومة في مواجهة العجز المتزايد في الاحتياجات الداخلية. ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا هو استمرار هذه السياسة التي تضع مصر في موقف ضعف دائم.
مستقبل غامض يهدد الأمن الطاقي المصري
تتزايد المخاوف من تداعيات هذا التوجه على الأمن الطاقي المصري. فإذا استمرت الحكومة في السير على هذا النهج، فإن الدولة قد تصبح رهينة لقرارات إسرائيل بشأن توفير الغاز، في وقت قد تشهد فيه العلاقات الإقليمية تحولات غير متوقعة.
هذا الوضع لا يمثل تهديدًا اقتصاديًا فحسب، بل يمثل تحديًا سياسيًا من شأنه أن يضعف من قدرة مصر على إدارة شؤونها الطاقية بشكل مستقل.
لا بد من التغيير الآن
لا بد لمصر من مراجعة سياساتها في قطاع الطاقة، والانتقال من الاعتماد على الخارج إلى تطوير مواردها الطبيعية بصورة شاملة ومستدامة.
فالتوسع في استيراد الغاز الإسرائيلي لن يكون حلًا طويل الأمد، بل سيزيد من تعقيد الأمور على المدى البعيد. المستقبل يجب أن يكون لمصر وليس لمصالح الشركات الأجنبية أو الغاز المستورد.