فضيحة فساد كبيرة بشركة جاسكو ضبط 18 شريط ترامادول وفياجرا بحقيبة تاجر مخدرات
بدأت القصة منذ عام تقريبًا، كما أفاد الشهود الذين كانوا على دراية تامة بما يحدث داخل أروقة شركة الغاز المصرية “جاسكو” في منطقة الدلتا، حيث كانت تلك المنطقة تمثل مركزًا مهمًا في صناعة الغاز والنفط بمصر.
الشركة تلك التي تعتبر من أكبر الشركات في القطاع، كانت مليئة بالمفاجآت، لا سيما عندما أصبح شخصٌ غير موظف في الشركة، بل شخص غريب الأطوار، يتردد على هذا المقر بشكل مستمر، يدخل ويخرج كما يشاء دون أن يلاحظه أحد.
في البداية كان هذا الشخص، الذي كان يحمل حقيبة، لا يُشتبه فيه، حيث كان يتنقل من مكتب لآخر، يحمل في حقيبته ما يُعتقد أنه أشياء عادية. كان يحمل ملابس وأغراض أخرى، يوزع بضاعته ويغادر.
ولكن السر الأكبر كان في ما تحتويه حقيبته، حيث كان هذا الشخص يقوم بتوزيع المواد المخدرة، من “الترامادول والفياجرا المستوردة”، وهي مواد محظورة، كان يوزعها على الموظفين في الشركة، من مهندسين وفنيين، ليبقى اسمه في قائمة الأولوية داخل الشركة.
المواد المخدرة التي كانت بحوزته ليست مجرد أدوية يتم تداولها بشكل عادي، بل كانت من بين أخطر المواد التي لا تُباع بسهولة في السوق، وكان يصعب على أي شخص أن يحصل عليها إلا من خلال شبكات مافيا تمولها جهات لا نعلمها.
هذا الشخص الذي كان يتنقل بين المكاتب ويقوم بتوزيع “السلعة” المحرمة، لم يكن يقتصر نشاطه على البيع فحسب، بل كان يسعى إلى زرع الفساد داخل الشركة من خلال هذه المخدرات التي كانت تُستخدم كـ”هدية” للرؤساء والمديرين في الشركة لكي يرضوا عن موظفيهم.
وما لبثت الفضائح أن تكشفت بعد أن قرر أفراد الأمن الإداري في الشركة التدخل. حيث قاموا بإعداد كمين لهذا الشخص الذي كان يدخل إلى غرفة التحكم في أحد مشاريع الشركة، وتم ضبطه وهو يحمل أكثر من 18 شريطًا من “الترامادول والفياجرا”، إضافة إلى مواد مخدرة أخرى، كانت بمثابة صفعة قوية على وجه جميع المعنيين بهذه القضية.
المفاجأة الكبرى كانت عندما تم اكتشاف أن بعض الموظفين في غرفة التحكم كانوا على علاقة وثيقة بهذا الشخص، حيث تبين أن بعضهم كان يتعاطى المواد المخدرة في نفس الغرفة، وكانوا يدخنون الحشيش داخل المنشأة دون أن يلتفت إليهم أحد.
وبدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة تجاه هذه الفضيحة، تم التعامل مع القضية بطريقة لا تشرف أي جهة حكومية، حيث تم اقتياد المتهمين إلى الأمن الإداري، وبعد التحقيقات، تبين أن هناك شخصيات مهمة كانت على دراية تامة بهذا النشاط الفاسد، بل وساندت هؤلاء المجرمين في مخططهم.
لنأخذ على سبيل المثال المهندس إبراهيم خطاب، مستشار وزير البترول، الذي كان له دور كبير في إغلاق الملف. فقد تدخّل شخصيًا لحماية المتورطين من الفاسدين في الشركة، وتسبب في حفظ القضية، ما يثير تساؤلات عديدة حول مدى تورط الشخصيات الكبرى في وزارة البترول في دعم هؤلاء الفاسدين، وهذا يظهر كيف أن فساد النظام قد بلغ أوجه في تلك المرحلة.
ثم كان هناك الموظف “ياسر الفقي” الذي قام بتأسيس شركة من الباطن من خلال تزوير أوراق وعقد صفقات مشبوهة، وعندما تمت التحقيقات في تلك الجريمة، كانت النتيجة واضحة: تدخل أخوه الأكبر الذي يشغل منصبًا مهمًا في إحدى الجهات السيادية، ليقف بجانب هذا الفاسد، وبذلك طُويت صفحة التحقيق بشكل فاضح، دون محاسبة أو مساءلة، ليُغلق الملف بشكل كامل.
الفوضى في قطاع الغاز لم تتوقف عند هذه النقطة. فقد كانت هناك أيضًا مخالفات من نوع آخر، على سبيل المثال، قام أحد رؤساء الشركات التابعة للقطاع بتجديد مكتبه وشراء أسطول من السيارات دون الحصول على إذن مسبق من وزارة البترول، وهي مخالفة صريحة، حيث كان يجب الحصول على إذن الوزارة قبل اتخاذ أي خطوات من هذا النوع. ومع كل ذلك، لم يتحرك أحد، وكأنهم يعيشون في دولة منفصلة عن الواقع، لا تخضع لرقابة ولا لمحاسبة.
وعلى الرغم من التحذيرات العاجلة التي أرسلتها وزارة البترول لجميع الشركات التابعة لها بضرورة تجنب الإنفاق غير المبرر على مثل هذه المشاريع، إلا أن الفساد في قطاع الغاز استمر في التغلغل بشكل غير مسبوق.
وكأن كل تحذير كان يمر دون أي تأثير على الأرض، لتستمر الألعاب الفاسدة داخل أروقة الوزارة والشركات التابعة لها.
ومن الغريب أن بعض القيادات التي تم القبض عليها في قضايا فساد تم الإفراج عنها بغرامات مالية، ثم عادوا للعمل في مناصبهم دون أي تغيير. كأنهم لا يتعرضون لعواقب أعمالهم الفاسدة، وكأنهم غير معنيين بالقوانين التي يجب أن تطبق عليهم.
إن هذه الفضيحة تكشف بشكل لا لبس فيه عن مدى التدهور الذي وصل إليه قطاع الغاز الطبيعي في مصر، وهي بمثابة مؤشر على فشل ذريع للمنظومة الإدارية داخل الشركات الحكومية، وكذلك فشل الوزارات المعنية مثل وزارة البترول ووزارة قطاع الأعمال العام، وحتى الحكومة المصرية نفسها في التصدي لهذا الفساد المستشري.
وبالرغم من كل هذه الحقائق، تبقى الشكوك قائمة حول مصير التحقيقات التي لا تنتهي، وهل سيتغير الوضع فعلاً في ظل هذا الفساد الكبير الذي يحيط بالقطاع بأسره؟
من الواضح أن هناك تراخيًا شديدًا من قبل إدارة الشركات المعنية، مثل شركة “جاسكو” و”إيجاس”، حيث لم يتم اتخاذ أي تدابير حقيقية لوقف هذه السلسلة من المخالفات.
وعلى الرغم من تدخل بعض الشخصيات في الوزارة لدعم الفاسدين وحماية مراكزهم، إلا أن هذا الوضع يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الفساد بات جزءًا لا يتجزأ من نظام العمل داخل هذه الشركات.
هذا الوضع لا يشير إلى أي إصلاحات حقيقية، بل على العكس، يبقى الوضع كما هو عليه، بل قد يزداد سوءًا في المستقبل.